أفضل 10 كتب قرأتها خلال سنة 2014

كنت قد كتبت في تدوينة سابقة عن تحدي القراءة الذي وضعه موقع GoodReads  العالمي، وشاركتكم لائحة بأربعة كتب قرأتها في هاته السنة وكانت من تأليف مدونين من أصدقائي..  وقد فكرت سابقا في مشاركتكم بتدوينة ألخص فيها جميع الكتب التي قرأتها خلال سنة 2014 وعددها ثلاثون ( هنيئا لي كسبت التحدي ^_^). لكن تراجعت عن الفكرة في نهاية الأمر، فالكتب كثيرة وبعضها كان للأسف دون المستوى، كما أني قد نسيت العديد من تفاصيل ما قرأت، فكان القرار أن أضع لكم لائحة بأفضل عشر كتب قرأتها خلال 2014..
بالنسبة للسنة القادمة 2015، فسيكون هناك تحدي جديد لي مع الكتب ان شاء الله، سأخبركم بتفاصيله في تدوينة قادمة..
وعلى بركة الله، هاته لائحة بأفضل عشرة كتب قرأتها خلال السنة الحالية 2014، مع ملحوظات بسيطة حولها:

10/ديوان النثر البري 
كانت أول مرة أقرأ فيها للمبدع الليبي ابراهيم الكوني، وأعتقد أنها ستكون ٱخر مرة.. أسلوب الكاتب مميز جدا ومعقد كثيرا، مما جعلني  أستصعب الرواية وأجدها جد معقدة.. بدأتها مع شهر يناير وفي كل مرة كنت أتركها جانبا وأبدأ قراءة كتاب جديد لأنهيها أخيرا في شهر أكتوبر.. لكنها تبقى من أروع ما قرأت هاته السنة.

9/I am malala: the girl who stood up for education and was shot by the taliban
أنا ملالا: ناضلت دفاعا عن حق التعليم وحاولت الطالبان قتلي

هو سيرة ذاتية كتبت بمشاركة كريستينا لامب لملالا يوسفزاي، ويحكي بأسلوب جميل تاريخي ونوستالجي قصة ملالا الطفلة الباكستانية التي كانت تساند حق الفتيات في التعليم، قبل أن تتعرض رفقة صديقاتها لمحاولة قتل من طرف جماعة طالبان.
الجميل في الكتاب أنه يذكرك ببعض الأحداث التاريخية المهمة في الذاكرة الباكستانية، وينقل لنا تفاصيل التحول السياسي في ذلك البلد، بلسان ملالا التي صارت في وقتنا الحاضر من أشهر الناشطات في مجال حقوق الطفل..
بامكانكم تحميل الترجمة العربية للكتاب من هنا

8/الموريسكي لحسن أوريد
سمعت عن كتابات حسن أوريد كثيرا وعن روعة أسلوبه التي تجعله مميزا، لكن كان الموريسكي أول كتاب أقرؤه لمؤرخ المملكة السابق وللكاتب والمثقف المرموق أوريد.. تم اقتباس قصة الكتاب من سيرة أحمد شهاب الدين أفوقاي، ليرصد معاناة الموريسكيين بعد أن تم طردهم من أرضهم، أو فروا خوفا على حياتهم ودينهم من محاكم التفتيش. روعة الكتاب تتجلى في جمعه لأحداث تاريخية ممزوجة بقالب روائي رائع لن يقدمه الا مثقف مميز مثل حسن أوريد.

7/لا سكاكين في مطابخ هاته المدينة لخالد خليفة
احدى روايات القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، والحاملة بين طياتها العديد من الأحداث الدرامية لعائلة سورية تعيش في نظام فاسد يصبح فيه التطرف والجهل والفساد والزنا والشذوذ أحد المظاهر المتفشية.. المؤسف في الرواية أن كاتبها يربط انحراف أفراد احدى الأسر بالنظام السياسي، وهو أمر غير صحيح في نظري الشخصي.. عند انتهائي من قراءة لا سكاكين في مطابخ هاته المدينة انتابني احساس بالحزن الشديد والخوف من هول الاحداث التي يعيشها أبطال الرواية.. أنصحكم بقرائتها..

6/الفيل الأزرق لأحمد مراد
هي احدى روايات القائمة القصيرة لجائزة البوكر 2014 والتي تحولت مؤخرا لفيلم مصري ومسرحية أيضا.. رواية مشوقة كتبت بأسلوب سينمائي، تجعل ضربات قلبك تتسارع مع الأحداث المثيرة التي يعيشها الطبيب النفسي بطل الكتاب..

5/الأجهزة السرية في المغرب الاختطافات والاغتيالات لأحمد البخاري
الكتاب الذي ظهر مع وفاة الملك الحسن الثاني بقلم أحد ضباط المغرب السابقين، يحكي بعض اللحظات السوداء في تاريخ المغرب، خصوصا قضية اغتيال المهدي بن بركة.. مع ذكر بعض تفاصيل سنوات الرصاص من اغتيالات واختطافات ..

4/ساق البامبو لسعود السنعوسي
حاصلة على جائزة البوكر سنة 2014 كأفضل رواية عربية. تحكي قصة خوسيه، الشاب الذي ولد من أب كويتي وأم فيلبينية وعاش مرارة الحياة في البلدين معا.
أسلوب جميل وبسيط ذلك الذي تميز به سعود السنعوسي في روايته ساق البامبو، لكن للأسف لم تستطع روايته الأخرى "سجين المرايا" أن تنال اعجابي بعد أن وجدتها قصة عادية بأسلوب مميز..

3/تغريبة العبدي: المشهور بولد الحمرية لعبد الرحيم لحبيبي
بكل بساطة، اقرؤوا تغريبة العبدي، استمتعوا بأدب الرحلات المكتوب بأسلوب مشوق جدا.. لنا الحق بأن نفتخر بكاتب مميز مثل الأستاذ لحبيبي .. ^_^

2/قواعد العشق الأربعون لإليف شافاق
إذا أردت أن تفهم معاني الحب، فما عليك الا قراءة هذا الكتاب الذي اقتبس من قصة العالم والمتصوف جلال الدين الرومي. الأسلوب الهادئ والقيم الصوفية الذي يقدمها الكتاب، بالاضافة لتناسق الأحداث بين أبطال الرواية، كلها عوامل تجعل القارئ يسافر عبر التاريخ ليبحث عن الحب في الزمن الذي عاش فيه مولانا الرومي..
قرأت الكتاب بلغتين ومازالت أعود لقواعد العشق فيه كلما شعرت بالحاجة لذلك.. فقط، تذوقوا هذا الكتاب وستتغيرون..

1/دروز بلغراد: حكاية حنا ليعقوب لربيع جابر
عندما يجتمع التاريخ المؤلم والأسلوب الجميل والأحداث المؤثرة والشخصيات الحية في رواية تعبث بالأزمنة والأمكنة وبمشاعر القارئ، فلن نتعجب إذا حصلت على جائزة البوكر لأنها الأفضل..
وكانت بصدق أفضل ما قرأت خلال سنة 2014.. :)

تحدي القراءة - كتب المدونين


وضع موقع GoodReads تحديات أمام مشتركيه مع بداية السنة، وترك لهم حرية تحديد عدد الكتب التي يعتزمون قرائتها طيلة العام. وعلى هذا الأساس ولأنني أعتبرني إنسانة غير قارئة، ولا أكلف نفسي عناء اقتناء الكتب إلا نادرا، (جل ما أطلع عليه يكون ملكا لأحد المقربين)، ولأنني تفرغت تماما للعمل بعيدا عن الدراسة والامتحانات والدكتوراه والقراء ات الطبية (أخيييرررااا)، ولأن رصيدي القرائي السنة الماضية كان دون المستوى،  قررت أن أرفع التحدي لعام 2014 وأقرأ ان شاء الله 30 كتابا من كل الأجناس والأصناف واللغات ( التي أعرفها طبعا).. وكذلك كان..

ومع نهاية السنة الحالية، أحببت أن أشارككم معلومات عن العديد من الكتب التي قرأتها، عبر مجموعة من التدوينات أتمنى أن تساعدكم قليلا من أجل اختيار قراءاتكم المستقبلية. وستكون أول تدوينة عن أربعة كتب, بعضها باكورة أعمال مدونين مغاربة، قرروا أن يخرجوا تدويناتهم من العالم الرقمي للورقي، وألفوا كتابات أخرى (روايات أو قصص قصيرة)، ليدخلوا بها عالم النشر من بابه الواقعي..

1) سفر التغريد:
" نحن لا نكبر في لحظات سعادة.. نظل صغارا حتى نشيخ فجأة في لحظة ألم... "

أول كتاب ورقي لصديقتي الصويرية سناء البرڭي، صاحبة مدونة امرأة غريبة هنا وهناك
استطاعت أن تجمع في هذا الكتاب تغريدات صغيرة  عن المرأة والرجل والحب والوطن وأشياء أخرى.. يستحق القراءة والتأمل.. شخصيا أعود اليه كلما شعرت بالشوق لصديقتي.. :)
صفحة الكتاب على موقع Goodreads هـــنـــا

2) همسات الروح والخاطر
سرب الهوى بخاطري عبر
أثر هنا، وهناك أثر..
كأن سرب الهوى بخاطرها عبر
أثر هنا.. وهناك لا أثر..

انسيابات رشيد أمديون، المدون والكاتب والناقد الأدبي الذي تعرفت عليه عبر مدوناته، الأولى التي تحمل نفس اسم الكتاب والثانية بعنوان أضواء على العالم.
الكتاب الذي كتب مقدمته الناقد المغربي الأستاذ سعيد بكور والأستاذة هداية مرزوق من الجزائر،  يجمع بين حروفه المنتقاة بعناية مجموعة من الهمسات الرومانسية الحالمة بأسلوب بسيط تميز به صديقي رشيد أمديون..
صفحة الكتاب في موقعGoodreads : هــنــا

3) علاقة غير شرعية:
عقلي وعقلك كالبينغ بونغ حين عشق سور الصين العظيم.. كلاهما معجزة ضخمة تأبى أن تضحي للأخرى بأن تصنع تاريخا عظيما.. لذلك فوضنا القلب بناء على قانون الطبيعة، الحب الكبير للأقوى...

مجموعة قصصية  للشاعرة والكاتبة الهادئة فاطمة الزهراء الرياض.. حصلت على المجموعة من معرض الكتاب بمدينة الدرا البيضاء وقرأتها مرتين بشوق كبير..
حروف الكتاب مميزة، ورغم هدوء كلماته الا أنني وجدت صعوبة كبيرة في فهم المقصود واستيعاب تعابير القصص.. أكيدة أني سأعيد قراءة "علاقة غير شرعية" مرة ومرات أخرى..
صفحة الكتاب في موقعGoodReads هـــنـــا

4) أنطولوجيا نسائية
وأخيرا رأى النور هذا الكتاب المميز الذي يجمع بين صفحاته تدوينات مميزة لتسع مدونات مغربيات اشتهرن عبر كتاباتهن باللغة العربية في مدوناتهن الرقمية.
أنطولوجيا نسائية والذي جاء بمبادرة من المدونة مثال الزيادي، هو ثمرة عمل جماعي نسائي حمل فكرة جديدة وجريئة ليجمع أجمل ما كتب لسنوات من طرف نساء مغربيات دون لنون النسوة في الكثير من كتاباتهن.. وكان لي الشرف بالتعامل معهن ومشاركتهن مغامرة الكتاب.
لمعرفة المزيد عن كتاب أنطولوجيا نسائية، أنصحكم بقراءة هذا الحوار مع المدونة مثال.
صفحة الكتاب في موقعGoodreads : هــنـــا
هناك الكثير ليقال عن هذا الكتاب.. في تدوينة قادمة بحول الله
.
..
يتبع

المغضوب عليهم

أقطن في حي مراكشي، قيل بأن ساكنته من "المغضوب عليهم" بعد أن انتشر في ثمانينات القرن الماضي، خطاب للملك المغربي الراحل الحسن الثاني، يعاتب فيه بشدة بعض الثائرين من مثيري الشغب في العديد من المدن المغربية ومن بينها مراكش، ويصفهم ب"الأوباش".
حكي لنا حينها أن مدينتي عرفت أحداثا مماثلة في نفس الفترة، شارك فيها سكان أحياء عديدة. لكن أكثر المعارك ضراوة كانت عندنا، ومنذ ذلك الحين أصبحت صفة "الأوباش" لصيقة بسكان حينا... فصرنا بعدها جميعا، من المغضوب عليهم..
وتاريخيا "غُضِب" علينا قبل تأسيس الحي، فالشيخ والفقيه الذي سمينا باسمه، كان طفلا صغيرا طردته أسرته من منزله مخافة العدوى بعد أن أصيب بالجذام، فما كان منه إلا أن سكن غارا خارج سور مراكش، وعاش هناك طيلة حياته حتى لقبوه ب (مول الغار)، وبقي يحفظ القرآن ويدرس العلوم الشرعية، مما جعل الناس يتعجبون منه ومن قدرته على البقاء وحيدا في ذلك المكان المهجور.
ومع وفاته، قدس المراكشيون اسمه وجعلوه واحدا من رجالاتها السبعة، وسكنوا جوار ضريحه، مقيمين بنايات عديدة ومنازل جديدة، صانعين بذلك أول حي مراكشي خارج السور.

أما في زمننا هذا، فما أن تسأل أي شخص عن اسم (الحي) حتى يخبرك بأنه المكان البعيد البعيد البعيد جدا والخطير في مراكش، حيث يجتمع المدمنون والسكارى والمجرمون.. الخ الخ الخ.. وبعيدا عن صحة هاته المقولات من عدمها، فتلك هي الصورة النمطية التي قد رسخت في أذهان الذاكرة المراكشية،  وأصبح يعرف الآخرون بها منطقة تضم أزيد من ثلث ساكنة مدينة مراكش.

ومضت السنوات فكبر الحي بعدها وكبر أبناؤه، وكثر سكانه وكثر معهم ناهبوه.. وبُصمت صورة المغضوب عليه في الذاكرة المراكشية، ولم يجرؤ أحد على الإقدام على تكسيرها خوفا من غضب وعقوبات رسخت في الأذهان. بل استغل البعض الفرصة كي يزيد ثرواته على حساب شعب بأكمله كان يقطن الحي..واستمر الأمر كذلك رغم بداية العهد الجديد الذي استبشر به الجميع خيرا، لكن الأوان كان قد فات، فالثروات المادية والاقتصادية والبشرية استنزفت وما عاد المكان قادرا على مواكبة التطور الذي عرفته باقي الأحياء في مدينة مراكش.

لكن ما يجعل في الحلق خصة، أن هذا الحي ورغم امكانياته المحدودة، قد أخرج من رحمه مهندسين وأطباء وسياسيين وفنانين ورياضيين وأطر عليا، بلغ البعض منها مناصب جد مرموقة، وكان بالإمكان لو تكاثفت الجهود أن تحقق المستحيل وتنهض بالمكان من القعر لتغيير الصورة الخاطئة التي علقت في الأذهان عنه.
هؤلاء الذين كبروا لم يفكروا بالعودة أبدا أو تخوفوا من الأمر، واقتنعوا أن ما يقال عنهم هو حقيقة مفروغ منها، فصار بعضهم يتنكر لسكنه هناك ويقنع نفسه قبل البقية بأنه يعيش بعيدا، بادعاء الانتساب لأحياء مجاورة أخرى أو الهجرة للأبد.. فصار المكان " مغضوبا عليه" من أناسه.. للأسف.

ما حدث لحينا يشبه كثيرا مصير بعض المناطق والأحياء في بلدنا الحبيب، تلك التي تنكر لها أصحابها فابتعدوا عنها ونسوا الارتباط بها لسبب أو لآخر. وفي المقابل نجد أمكنة عديدة زرعت حب الجذور في أبنائها، فكانوا يهيمون  في أرض الله ويعودون لصلة الرحم، ويعملون على شراء أراض هناك وإقامة مشاريع تفيدهم وتفيد معهم سكان المنطقة التي اشتد عودهم من ترابها.
وأنا أرى بعض المغاربة هكذا، نهضوا بالنافع من أرضهم، استغرب من الذين غضبوا وابتعدوا عما اعتقدوه لن يفيدهم بشيء منها. متناسيين أن الأرض الجوفاء هي نفسها التي تعطي القمح فقط اذا ما سقيت.. فمن يسقي الأرض غير أصحابها؟

وأنا بعيدة عن حيي، أشعر بالحنين للمكان الذي يملكني ويأسرني ويزعجني، للمكان الوحيد الذي شعرت فيه بالأمان رغم قولهم بأنه يجمع السكارى والسارقين والمدمنين أحيانا..
أشعر بالحنين لكل تلك الوجوه السمراء الغريبة التي تتزاحم كل مساء في الشارع الشهير، بعيدا عن روتين المنازل.. تحدث بعضها عن كل شيء ولا شيء، وتسرد قصص أناس نالوا الحظ بأن غادروا المكان وتخلصوا من لعنته التي مازالت تطارد البقية..
وأنا بعيدة عن حيي" سيدي يوسف بن علي "، أذكر اسمه بفخر كلما سألني أحدهم عن المكان الذي أقطن به في مراكش، ألمح في عيونهم نظرات الازدراء والتعجب الصامت من جرأتي على الافتخار بذلك الاسم.. أبتسم في قرارة نفسي، فهم لن يفهموا أبدا احساس "المغضوب عليهم"..
..
..
ملحوظة: الصورة أعلاه مأخوذة من المظاهرات التي قام بها سكان " سيدي يوسف بن علي "  في دجنبر 2012 احتجاجا على ارتفاع أثمنة الماء والكهرباء.. ومازال الحي مغضوبا عليه، من أصحابه.. والآخرين..



وصية السنة السابعة


10 يناير 2014:
فتحت مسودة مدونتي وعنونت التدوينة الجديدة "سنة سابعة تدوين". أردت أن أحتفل بمرور سبع سنوات على إنشائي ل"مروكية" والإعلان عن دخولي العام التدويني الثامن. وتلك عادتي التي اتبعتها بانتظام أخط فيها موضوعا بسيطا احتفاء مني بانقضاء سنة وبداية أخرى وأنا على عهد "مروكية".
لكن هاته المرة كانت مختلفة، فقد وقفت حائرة أمام القلم وعجزت عن خط كلمة واحدة في التدوينة. استمرت حالة الجمود تلك أياما طويلة.. بعدها أسابيع.. بل امتدت أشهرا.. حتى ذلك اليوم..

10 يونيو 2014:
حدث ما كنت أخشاه، وتوقفت مدونتي عن العمل لأسباب تقنية خارجة عن إرادتي العبيطة. غضبت بداية وناورت بحثا عن حل سريع لمشكلتي وبأخف الأضرار، لكني استسلمت أخيرا لأن الحل لم يكن أبدا بيدي.
حينها فكرت قليلا: ماذا لو كانت النهاية، فلاشيء مضمون في هاته الدنيا.. حتى مدونتي طفلتي الصغيرة التي أحبها وأحرص عليها من كل قرصنة قد حرمت منها وتوقفت نهائيا.. وبعدها لم يتغير شيء.. واستمرت الحياة..
لكن هاته الحياة.. ستستمر إلى متى؟؟

قدر محتوم:
وإني أحمل روحي على يدي وأنا أرى الموت يتمشى جواري عشرات المرات يوميا، فيخطف أرواحا لم تتوقعه في أحيان عديدة، وأرواحا تأوهت منه وترجته في أحيان أكثر..
وعلموني فيما سبق أن كل بداية لها نهاية، بل حتى الخط المستقيم الخالي من البدايات قد ينعرج يوما أو ينكسر..فينتهي.
هكذا هي الحياة قالوا..وأنا لا أملك منها إلا حبا وبعض الذكريات في قلوب من يهمني أمرهم ويهمهم أمري..

البقاء:
بعض الناس يختارون البقاء أحياء وأموات..
وقد علمت أن بقائي رهين بكل ما هو روحي وجسدي ورقمي.. وآمنت منذ عقود بأن حسابي الروحي عند ربي، فهو يجزيني ويعاتبني ويكرمني ويرحمني كما يشاء. أمته أنا ما خلقت إلا لأعبده شاهدة بألا إله إلا هو ربي وألا نبيا إلا رسولي الكريم.
أما ذكرى الروح واللحظات الجميلة، فالزمان وحده القادر على جعلها خالدة أو ورميها في متاهة النسيان بين أذهان الناس....
تيقنت أيضا أن جسدي وممتلكاتي المادية (القليلة جدا جدا) ملك لمن يهمهم أمري من أسرتي الصغيرة، ولهم حرية التصرف بعدي كما يريدون حسب الشرع.

الوصية الإلكترونية:
وأنا المغلوبة على أمري، أردت الآن فقط أن أكتب وصيتي الالكترونية، فيقرر من بعدي كيفية التصرف فيما ملكته في العالم الرقمي:
بريدي الالكتروني سأمنح كلمة مروره للشخص الوحيد الذي أثق فيه ثقة عمياء ويعرف نفسه، ليضيف لرسائلي جوابا تلقائيا يخبر فيه المرسلين أن صاحبة الايمايل لن ترد عليهم.. أبدا.
أما حسابات الفايسبوك وتويتر فأوصي باغلاقهم حتى لا يستمر عبط تغريداتي قائما، وتبقى الصفحة الشخصية للمدونة مفتوحة للعموم..
وختاما، مدونتي طفلتي العزيزة، أريدها حية باقية للعموم، تحكي عن كل الأفكار التي آمنت بها، والأقدار التي تمنيت تغييرها. تعبر عني وعن قناعاتي، وترسم خطوات الأمل لكل اللواتي شاركنني في يوم من الأيام رسائلهم "المروكية".
..
وصيتي، مدونتي..إذا ما تعبتُ أفتحها وأقرأ الحياة فيها..
أريدها حية اليوم بعد سنوات من التدوين...وحية أيضا غدا، حينما يأتي الغياب..


لن أتكلم في السياسة

أكره السياسة ولا أستسيغها فهي تشعرني بالغثيان وحكة الأسنان.. أجدها لعبة قذرة تلوث كل من يقترب منها...

- في ذلك اليوم الدافئ، قالوا لنا أن أمريكا احتلت العراق.. كنا حينها نجهز أنفسنا لامتحان في مادة الترجمة، لكن قلوبنا كانت معلقة في بغداد. سارع بعض الطلاب لجمع الناس من أجل مظاهرة، دخلوا أقسام الثانوية عنوة وطلبوا منا الحراك من أجل اخواننا الذين يقتلون هناك في بلاد الرافدين، وتحركنا..
كانت تلك أول مرة أشارك فيها في مظاهرة وأصرخ من أعماق قلبي من أجل العراق، لم أبالي حينها بمظهري وأنا محمولة فوق أكتاف شباب يدرسون معي، وعيون أساتذتنا تقتنص كل الحركات التي نقوم بها داخل حرم الثانوية التي لم يوقفنا سورها.. كان صراخنا أقوى من أن يبقى محاصرا في مكان واحد، وكانت آهاتنا تستحق أن تعانق آهات الثانوية المجاورة لنا.. حطمنا الباب واجتزنا الحاجز الأمني، وحطمنا بعده بابا آخر لنخرج تلاميذا مثلنا ونصرخ معا متوجهين لشارع تجتمع فيه كل المدارس.. حينذاك بدأت هراوات رجال الأمن تنزل علينا، وبدأنا نجري كالقطط الهاربة ونقتحم بيوتا ليست لنا. امرأة طيبة سارعت بإخالنا بيتها وسقتنا ماءً قبل أن نغادر وعيوننا ترصد بحزن كل أصحابنا الذين تم سجنهم..

ذاكرتي مازالت تذكر تفاصيل كل ما حدث، وما وقع بعده أيضا.. ما صرخنا من أجله ذاب مع شباب  استغل الفرصة كي يهرب من جحيم الدراسة، فصاروا يصرخون بهتافات ويجمعون الناس من أجل المظاهرات كلما كانوا على أعتاب امتحان جديد.. ميعوا القضية حتى كرهناها.. ظلت أمريكا تقتل العراقيين.. ونسينا الأمر بعدها..
قررت حينها ألا أؤمن  بالسياسة..

- وفي ذلك اليوم أردنا تغيير مسارنا بأنفسنا، فانتفضنا ضد أوضاعنا البئيسة في الكلية، خضت التحدي مع القلائل ضد زملاء كانوا يرمقوننا بالسخرية، وآخرين يستغبون فعلنا هذا، وضد نظام قيدنا وظلمنا... كنا نعلم أن سنوات قليلة فقط تفصلنا عن مغادرة الكلية، لكننا سعينا للتغيير من أجل الطلبة الجدد وتحسين حالتهم للأفضل. كانوا ينظرون لنا باستغراب وهم يستقبلون سنواتهم الأولى ببذلة بيضاء اعتقدوا أنها تميزهم عن الآخرين وتفتح لهم أبواب العدل والتفرد. قاطعنا التداريب والدروس فعوقبنا بالرسوب والقمع والسب، انتفض الكبار في اليوم الأول مدافعين عنا، لكن مع أول نفس كانوا أول من كسرنا.. وحطمنا.. هكذا هي لعبة الحياة، لا مكان للصغير فيها..
كانت مكاسبنا قليلة جدا، لكننا سعدنا بها وتوقعنا الأفضل في القادم من الوقت.. وككل عاقل تحملنا مسؤولية قرارنا بالاضراب فنلنا العقاب والتزمنا بالرسوب والانتظار.. وصبرنا حتى ذلك اليوم الذي فقدنا فيه الاتصال بمن كانوا يمثلوننا.. هم سكتوا بدون سبب، ونحن لم نعرف أسبابا تجعلنا نستمر.. ذابت الرؤوس التي رفعت يوما، وتخلى عن القضية كل من كان يملك حقا. سمعنا أنهم باعوا ما استطاعوا بعد أن وقعوا الطاعة لغرض في نفوسهم، أما نحن فصمتنا كان مقدرا حينما جعلناهم يوما قدوة تمثلنا..
ومرة أخرى فقدت الأمل في التغيير وقررت ألا أتكلم في السياسة..

وفي ذلك الوقت، رسمت خطوات مستقبلي وقررت أن أفعل وأفعل وأفعل.. لم أحسب أبدا أن مصيري بين يدي أشخاص يقولون ويقولون ويفعلون عكس ما يقولون..
قالوا لنا "قسموا أحلامكم الطبية بتفاصيل بعيدة عنا، فلا مجال لفتح باب التخصص في وجوهكم الشابة، اكتفوا بالموجود أو ابحثوا عن المال بأسرع الطرق.. وسنساعدكم.." يومها كنت أتمنى دراسة طب الأطفال والرحيل لأقصى جبال المغرب المنسي معهم هناك.. لكن وزرائنا الكرام قالوا ألا أموال في الحقيبة للتكوين المستمر، وأن المساعدات فقط لمن سيفتحون عياداتهم ببيع أحلامهم وشراء ثروتهم..
لم نسكت أيضا، وبدأ النضال بأفكار كانت تجمع القلائل فقط ممن حلموا وعزموا وصمموا على الكلام.. كثرت الاشاعات ولم يلم الشمل الذي شتت قبل سنوات. وبعد حروب البيانات و بين الفينة والأخرى رمى ذكور المسؤولية لقمات تهافت عليها الجائعون وتمسك الغريق بقشة قد تقسم كل الأحلام.. تشتت ما اجتمع من الناس وجرى كل نحو مصلحته بعد أن تيقنوا أنه ما استمر على أمل كل من عاش آمال الجماعة.. وأنا أيضا سلكت الطريق السهل بعد أن جعلونا بلا خيار.. فاخترت أن يكون لي القرار باتباع ما يقولون عن رضا.. قبل أن أجبر عليه بالغصب..
صمتت أيضا متيقنة أني لن أتكلم مجددا في السياسة، لأنها لعبة أكبر مني ومن جماعتي الذين رأوا أن الحق لا يكتسب الا بعد النضال من أجله، وبأن الأمل في التغيير ممكن إذا ما عزمنا عليه بقلوبنا وتحملنا مع كل مسؤولياتنا..

لكن السياسة اللعينة رفضت أبدا أن تفارقني، وبدأت الأحزاب تستقطبني وصرت أنظر بعين مخالفة لما كنت أخشاه وأتجنبه سابقا:
أترانا جميعا نلعب السياسة ونحن لا ندري.. نتكلم فيها ونحن ندري..
نتنشقها.. نعيش بها.. ونتحداها.. ونحن لا ندري..
ومن يدري.. ربما في يوم من الأيام سأصبر على الغثيان وأتأقلم مع حكة الأسنان.. مادام الجميع صابر ومتأقلم.. وتستمر الحياة.. وتستمر السياسة..

مصدر الصورة

رسائل عن التحرش الجنسي (11)

تخفي كل واحدة من بنات حواء في داخلها حكاية عاشتها بتفاصيل معينة، كان بطلها "ذكر" متحرش ( أو أنثى أحيانا)، وكانت هي الضحية التي لم تستطع مقاومة هذا التحرش أو حتى الحديث عنه ومواجهته.
وقد يخفي بعض الرجال (أو ربما يبوحون )، تفاصيل  قصص عاشوها عن متحرشين  
جنسيا، أو كانوا هم أبطالها.
لكل من تريد الحديث عن حكايتها مع المتحرشين، ولكل من يريد البوح بتعرضه للتحرش الجنسي، المرجو مراسلتي على البريد الالكتروني التالي: marrokia2000@yahoo.fr
 

الرسالة الحادية عشر:
السلام عليكم..
ترددت كثيرا في البوح بما يحمله قلبي من ذكريات بشعة و مقززة عن التحرش.
كنت طفلة صغيرة وكانت أمي تتركني عند جيراننا بحكم أنها كانت تعمل وليس هناك من يرعاني. وأسرة الجيران كان عندهم ست أولاد وبنت، وكنت أبقى معهم طول اليوم. و يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر بدأ ابنهم الأكبر مني يفعل أشياء كنت لا أفهم معناها ولكن كنت أعرف أنها شيء ليس جيدا. كان دائما يريني عضوه الذكري، وفي أحد الأيام أمسكني في الدرج بقوة وبدأ يلمسني... لم أستطع أن أفعل شيئا. 
مرت السنين وبدأت أكبر ومفاتني تظهر، فأصبحت معرضة للتحرش تقريبا كل يوم وليس فقط من الشاب الأكبر مني بسنوات بل حتى من شقيقه الذي كان موظفا في الحكومة. 
كان دائما يلمسني في مؤخرتي وانا أتضايق بشدة ولكن ماذا أفعل؟ لم تكن لي الجرأة أن أقول أي شيء لأمي، كنت أخاف كثيرآ أن يتفاقم الأمر وأن يغتصبني. كان دائما يهددني و يقول: "والله و نشدك حتى نخسرك". كنت أرتعب من هذه العبارة و أبكي بحرقة.
بدأت أفكر كيف سأدافع عن نفسي؟ ماذا أفعل؟ فشاركت في ناد رياضي إذ كنت أمارس فنون الحرب.
في أحد الأيام وبينما أنا منهمكة في تنظيف السلم، جاء وبدأ يلمسني، هذه المرة لم أخف منه ضربته فسقط من على الدرج، و قلت له بنبرة تهديدية "إن لمستني مرة أخرى سأفضحك". ظهرت كأني قوية شرسة لكن لا أخفيكم سرا في داخلي رعشة خوف ورعب. 
أعاد المحاولة مرات عدة وكنت كل مرة أضربه أو أصرخ و كان يخاف و يهرب بسرعة.
مرت الأيام وهو انتقل للعيش في مدينة أخرى، و جاء لخطبتي و قال أنه يحبني.... أكرهه بشدة و أكره كل عائلته. رفضت هذا الزواج بحجة أني أريد أن أكمل دراستي، الآن أنا أستاذة و أتابع دراستي بسلك الدكتوراه و مازلت أخاف من الرجال وأخاف من الحب وأخاف من الطرف الآخر
... 
نصيحتي لكل أب وأم: لا تدعوا فلذات أكبادهم مع أناس غرباء لاتأتمنوهم عليهم مهما كلف الأمر ... 



هي وهو والجنين

قصة حقيقية

هو ابن الجيران، وكانا يحبان بعضهما.. عمره خمس عشرة سنة، وهي أكملت عامها الحادي عشرة قبل أشهر.
أحبا بعضهما، وتبادلا العشق وبعض القبلات، قبل أن يستغلا مرات عديدة غياب أسرتيهما من أجل اقتناص لحظات جنسية حميمة فوق سطح الدار المشترك..

أتذكر الموت.. فهل تفعلون؟

في تلك اللحظة، بدأت أتذكر الموت بكل التفاصيل التي عشتها. وجدت نفسي هائمة في ذكريات عن أشخاص عايشتهم وحضرت معهم لحظاتهم الأخيرة وهم يودعون هاته الحياة الفانية ويسلمون الروح لباريها.
ربما سأتحدث عن بعض مرضاي الذين ماتوا...
 أتذكرهم جميعهم.. بأسمائهم.. بأمراضهم.. بابتساماتهم.. بآهاتهم...
وربما سأصمت للأبد..
لماذا الآن بالضبط؟؟
 لا أعرف...
فقط، أتذكر الموت.. فهل تفعلون؟

ومات الحاج
قصة واقعية من خيالي.. وخيالية من واقعي..

في ذلك اليوم تزامنت أول تداريبي في قسم الجراحة مع أولى المناوبات في مستعجلات المستشفى الجامعي. صدمت كثيرا من هول الأعداد الكبيرة من المرضى الذين كلفت باستقبالهم ومعالجة بعض مشاكلهم وأنا التي اعتقدت أن نهاري سيكون للملاحظة فقط. اكتظ المكان أمامي بملامح مختلفة: راكبو دراجات أتوا يحملون جراحا وعظاما مهشمة نتيجة حوادث سير ارتكبوها.. طفل صغير عضه حمار الدار... شاب في مقتبل العمر قطعت آلة فرم اللحم يده اليمنى.. وامرأة كسرت فخدها بعد سقوطها من الدرج.. واخرون..
كانت مهمتنا نحن الطلبة الأطباء الجدد تقتصر أساسا على المساعدة في التنظيم واستقبال المرضى واجراء معاينة أولية لحالتهم  قبل تقديمهم للأطباء المتخصصين الجراحين.. هؤلاء الذين كانوا يداومون في غرفة العمليات أيضا بعد أن اكتظت بحالات مستعجلة كانت تنتظر دورها لتلقي العلاج.

كان عدد الأطباء قليل جدا، طبيبان جراحان فقط يعملان منذ أكثر من 50 ساعة في مناوبة مرهقة، لضمان سيرورة مستعجلات تستقبل يوميا مئات الحالات. لذا كان يسعدنا أن نساعدهم في العمل ونساعد أنفسنا بالتعلم، مما جعل أولى مناوباتنا لا تقتصر فقط على الأهداف التي سجلوها لنا، بل شرعنا بمساعدة مرضى الكسور البسيطة بصنع جبائر قد تصلح ما أفسده عمل "الجبار" الذي جعل مرضانا يعانون عاهة شبه مستديمة.

في ذلك اليوم، قدم ثلاثة شبان يحملون والدهم العجوز.. أتذكر تماما تلك اللحظة، كانت الساعة تشير للسابعة بتوقيت المستشفى البارد، وكان الكل يستعد لتغيير المناوبة بعد أن خفت حركة المستعجلات، ولم يبق في المكان إلا بضع حالات بسيطة تكلف بها أحد الأطباء بينما سرق الثاني نصف ساعة ليتناول طعام غدائه ويريح جسده الذي لم يذق النوم منذ أزيد من يومين..

كان الوالد العجوز رجلا في السبعينات من عمره، غلبه السكري وأنهك جسده الضعيف، فربى غنغرينا ذميمة في ساقه اليمنى. جاء رفقة أبنائه الذين اقتنعوا مسبقا وأقنعوه ألا مفر من قطع رجله. كانوا يبتسمون بهدوء وهم يوقعون ورقة الموافقة على وداع والدهم. جددوا ثقتهم في الطبيب الجراح وطبيب الانعاش معلنين أنهم يعرفون مسبقا أن عملية البتر بسيطة وتتم بكل سلالة، وبأن أباهم مستعد نفسيا وجسديا لدخول غرفة العمليات.
كنت تعبة وسعيدة، فقد كانت تلك أول عملية سأحضرها ولم أعتقد أن ذكراها ستبقى مرسومة في ذهني للأبد..

عند السابعة والنصف، وجد الطبيب صعوبة في اقناع الممرضة المسؤولة بتزويده بكل مستلزمات العملية، فقد كانت جد مستعجلة تحاول اقتناص بعض الدقائق قبل خروجها من أجل الالتحاق بعملها الاضافي في أحد المستشفيات الخاصة. وبعد أخذ ورد، تمكننا من الحصول على كل ما نحتاجه ( أو اعتقدنا ذلك..) بعد أن وعد الطبيب الممرضة أنه سيغطي غيابها في النصف ساعة المتبقية في توقيت عملها الرسمي.
بدأت العملية بسلاسة، كان الطبيب يعمل بهدوء تام وتأن مراعاة لحالة الحاج العجوز. كل شيء كان على ما يرام حتى بدأت سيول من الدم تنزف من المريض. حاول الطبيب السيطرة على الأمر لكنه لم يستطع، فحاول البحث عن سبب النزيف، ليكتشف أن المشكل يعود لجهاز وجده معطلا بشكل غير واضح. طلب مني أن أتصل بالممرضة لتغير الجهاز، فأخبرتني بالحرف أنها  قد وضعت الجهاز للتصليح لكنهم لم يفعلوا، ولا يوجد جهاز اخر.. كما أنها قد غادرت المستشفى ولن تعود من أجل البحث عن بديل لإيقاف النزيف.
لم يكن أمام الجراح سوى الاسراع في إنهاء العملية، طلبنا مساعدة الطبيب الآخر فحضر مسرعا وشرع في مساعدة صديقه.. أما أنا فقد كنت مذهولة من تسارع الأحداث فجأة، مصدومة مما قد ينتظرنا بعد ذلك..مكبلة اليدين، لا أعرف ما العمل..

ما انفكت المشاكل تواجهنا، فلم تتبق خيوط الجراحة، كلفوني باحضارها ولكن الممرضة غائبة. تذكرت أن هناك مسؤول آخر في قسم المستعجلات، لكنه رفض تزويدي بها، بحجة أنها خاصة بقسم اخر ولا بد من إذن رئيس الممرضين حتى أحصل عليها. توسلت اليه فحياة أحدهم في خطر لكن دون جدوى.. عدت خائبة بحثا عن رئيس الممرضين لكنه كان غير موجود لسبب لم أعرفه..
حاولت الرجوع عند المسؤول الأول لاستجدائه مرة أخرى، لكني لم أجده هو الآخر. كدت أبكي وأنا أرى بين عيني صورة الحاج الشاحب الذي يصارع الموت وصورة الطبيبين ينتظران خيوط الجراحة لانقاذه. لمحت فجأة بعض العلب في الغرفة، فابتسمت ومددت يدي لسرقتها.. خرجت هاربة  وأنا أسمع صرخات المسؤول يناديني: يا..... تعالي... يا سارقة...
لم أبال حينها بأن يراني هو أو يسمعه الاخرون، فيلوموني على فعلي.. كل ما همني هو الوصول لغرفة العمليات، حينها لن تكون هناك سلطة للمسؤولين علي، فقط هي سلطة الطبيبين اللذين أمراني باحضار خيوط الجراحة كانت تحركني.. كانت تلك أول سرقة طبية أقوم بها في المستشفى.. ولم تكن الأخيرة..

جريت بسرعة إلى غرفة العمليات، كان الطبيبان يحاولان جاهدين إنقاذ ما يمكن إنقاذه فقد غاب مريضنا عن الوعي بعد أن فقد دماء كثيرة.. أكياس أخرى تمر عبر عروقه لكن دون جدوى.. توقف قلبه فجأة فحاول طبيب الانعاش جاهدا مساعدته على التشبت أكثر بالحياة. كان يبذل جهدا مضاعفا لكي ينقذه، أجرى له تدليك القلب عشرات المرات قبل أن يتصل برئيسة كي يخبره بالأمر. وعبر الهاتف سمعناه يأمره بإيقاف الانعاش الاصطناعي، بعد ثلاث محاولات في حالة عدم وجود نتيجة. ورغم أن الطبيب كان يعلم أن أوامر رئيسه يجب أن تنفذ، لكنه لم يتقبل الأمر، رفض أن يوقف ما يفعله لأنه قد وعد أبناء الحاج بأن يروا والدهم سليما معافى.. لكن قدر الله كان أكبر من وعد الطبيب وعمله.. أكبر مما توقعناه جميعا.

في ذلك اليوم، رأيتهم جميعا واقفين عاجزين عن الكلام. الكل كان يحاول أن يجمع الصورة ليجد بعدها كلمات يقولها لأهل الحاج المتوفى. لم يستوعب أبناؤه ما حصل، وهم كانوا على ثقة بأن العملية الجراحية بسيطة جدا. ولم يستوعب الأطباء ما حصل أيضا، وهم الذين قطعوا وعدا بأن ينقذوا روحا لم يعتقدوا للحظة أنهم سيفقدونها.

في ذلك اليوم، رأيت انسانا مستهترا علم عن عطل أحد الأجهزة ولم يبلغ بالأمر بسبب إسراعه لجني ثمار عمله الآخر في مكان آخر. وإنسان آخر رفض إنقاذ حياة شخص قبل تقديم ورقة إدارية، وإنسان ثالث مسؤول غاب عن مكان مسؤوليته بدون عذر.. 

في ذلك اليوم، رأيت أشخاصا تعبوا من العمل ساعات طويلة جدا أكثر مما يتحملون، ومعهم رئيس اعتقدت أن حياة الناس عنده لا تساوي إلا دقائق محاولة تنتهي بانتهاء مكالمة هاتفية.

في ذلك اليوم، أصابني الذهول مما وقع، فقد كانت الأحداث أسرع من أن أتقبلها وأفهمها..

في ذلك اليوم، وجدت جثته في ممر المستعجلات تنتظر حملها للغرفة الباردة، تركوها هناك بعد أن أخبروا أبناءه بوفاته. نظرت إليه بألم وأغمضت عينيه طالبة منه مسامحتي على ما فعلت وما لم أفعل. جعلته في عيني صورة تذكرني بالعالم الذي دخلته وبالأرواح التي سأفقدها..
..
تغيرت أشياء عديدة في حياتي.. وكل المفاهيم التي عايشتها في ذلك المكان اختلفت. حتى الصورة صارت واضحة أكثر فقط.. بعد ذلك اليوم.
..

هوامش:
- الحاج رحمه الله كان ثاني مرضاي الذين سرقتهم الموت.. أولهم سيدة أحتفظ بذكراها معي..أنا فقط.
- الأحداث والأقسام والمستشفى المذكور في القصة عناوين مجهولة.. أما الأشخاص فليس لهم أسماء.. أي ربط لهم مع واقعي هو غير مقبول..
- حكاية الحاج غير متاحة للنقاش، كتبتها.. وكفى

أتذكر الموت.. فهل تفعلون؟

في تلك اللحظة، بدأت أتذكر الموت بكل التفاصيل التي عشتها. وجدت نفسي هائمة في ذكريات عن أشخاص عايشتهم وحضرت معهم لحظاتهم الأخيرة وهم يودعون هاته الحياة الفانية ويسلمون الروح لباريها.
ربما سأتحدث عن بعض مرضاي الذين ماتوا...
 أتذكرهم جميعهم.. بأسمائهم.. بأمراضهم.. بابتساماتهم.. بآهاتهم...
وربما سأصمت للأبد..
لماذا الآن بالضبط؟؟
 لا أعرف...
فقط، أتذكر الموت.. فهل تفعلون؟