من مدونة الأخ
أحمد الدكالي، أنقل لكم قصة فتاة شابة في العشرينيات من عمرها، تسكن في هذا الوطن السعيد. يتيمة الأب، وحيدة أمها وخالتيها. تعيش لتحيا قصتها فقط، دونما الحاجة لمغامرات تسيرها أو تشويق يثيرها أو أحداث ترسم الاختلاف في معالمها.
بدأت حكاية بطلتنا لما لمحت الأم في أحد الأيام المتشابة، انتفاخ بطن ابنتها بشكل غير طبيعي، فبدأ الشك يراودها وقررت أن تأخذ ابنتها لأقرب طبيب كي يقوم بمعاينة البطن المنفوخ.
وفي العيادة، قام الطبيب بفحص الفتاة بطريقة عادية، ونادى على الأم كي يهنئها بحمل ابنتها بل ويقدم لها تفاصيلا حول الجنين وتحركاته بقدمين صغيرتين ويدين جميلتين. كانت المفاجأة كبيرة جدا على قلب الأم المصدومة، فلم يكن منها إلا أن انسحبت بسرعة ممسكة بيد ابنتها ومتوجهة نحو المنزل، وهي تحاول إخفاء البطن المنفوخ مخافة نظرات الجيران التي لا ترحم.
حاولت الأم والخالتين انتزاع اعتراف من الفتاة بوالد جنينها، بعد أن أسمعاها وابلا من الشتائم بسبب الفضيحة التي سببتها لأسرتها الصغيرة. ولم تشفع توسلات الفتاة ولا أيماناتها في إيقاف سيل الشتائم رغم أنها أقسمت آلاف المرات ألا رجلا لمسها وأنها مازالت تحافظ على شرفها ولم ترتكب أي خطيئة.
واستمرت حملات التعذيب والترهيب من الأم والخالتين، بغية معرفة والد الطفل، لكن الفتاة التزمت بجوابها وإيمانها بعذريتها. فبدأت النساء يبحثن عن أسباب ممكنة لهذا الحمل العجيب دون أن يتوصلن لجواب يشفي غليلهن. حتى اقتنعن أخيرا بضرورة أخذ الفتاة لطبيبة نسائية، تؤكد لهم الحمل وتوضح لهم أسبابه الممكنة.
وكذلك كان لما تم الفحص الثاني، لكن هاته المرة كانت النتيجة عكس كل التوقعات، لما أكدت الطبيبة أن سبب هذا الانتفاخ هو سرطان خبيث يكبر شيئا فشيئا في بطن الفتاة. ذهلت الأم وابنتها ولم يعلما ان كانا سيفرحان بسبب براءة الفتاة من خطيئة الحمل بدون زواج، أو سيحزنان للورم الذي سيقضي على حياة شابة في مقتبل العمر. طلبت الأم من الطبيبة أن تكتب لها تقريرا يثبت مرض ابنتها، وذلك بغية البحث عن علاج نافع قد يعيد الأمل للمريضة، وأيضا من أجل مواجهة الطبيب الذي أكد بهتانا حملة فلذة كبدها العذراء البريئة.
توجهت الأم بعد ذلك مع ابنتها إلى الطبيب الأول، وطلبت منه إعادة اجراء الفحص. فأكد كلامه السابق بوجود حمل، بل وحدد عمر الجنين في ستة أشهر ونصف. وبدأ يقدم نصائحا للحامل وأمها. وماكان من هاته الأخيرة إلا أن طلبت منه كتابة شهادة طبية تثبت حمل ابنتها، وهذا ما كان.
غادرت الأم وابنتها العيادة حاملة شهادتين طبيتين متناقضتين. وطلبت من ابنتها التوجه مباشرة للمنزل وهي تحمل اعتراف الطبيب الخاطئ بالحمل الكاذب. أما هي فقد رجعت للعيادة كي تواجه المخطئ بخطئه الذي كلف الأم وابنتها أياما طويلة من العذاب والإحساس بالعار.
حاول الطبيب بعد صرخات الأم أمام زوار العيادة إرجاع الاعتراف الخطي الذي يقر فيه بالخطأ الكبير الذي ارتكبه، لكن الأم أخبرته بأنها لا تملك شيئا وبأنها قد خبأته بعيدا كي تستعمله في مقاضاته. بدأ الطبيب يزمجر ويهدد ويحاول التدخل بعنف ضد الأم التي صدته وتوجهت مسرعة نحو أقرب سيارة أجرة. ركبتها مستعجلة طالبة حماية السائق من الطبيب الذي جعله الرعب من فضيحته الخاطئة، يبدو ككلب هائج يحاول بكل الوسائل اقتناص ضحيته حفاظا على مسيرته المهنية.
استسلمت الأم لقدرها وحاولت مقاضاة الطبيب، لكنها وجدت رفضا من المحامي الذي فضل الحديث مع المعني بالأمر من أجل التوصل لحل ودي، مما اضطرها للجوء لمحامي آخر. ومن جهة أخرى، بدأت حالة الفتاة تتدهور، مما استوجب نقلها على وجه السرعة للمستشفى، فبقيت هناك طريحة الفراش بعد أن أكد الأطباء أن مرضها في طور جد متقدم، وأن أشهر حياتها معدودة على رؤوس الأصابع. ومع ذلك، حافظت الأم المكلومة على الأمل، وساعدت ابنتها في الحصول على علاجها الكيميائي الذي بدأ يأخذ من شبابها وجمالها كل يوم، ليجعلها تبدو أضعف وأكثر مرضا.
لكن القدر كان أكبر من إرادة البشر، وسلمت روح بطلتنا إلى خالقها. وفوضت الأم أمرها لله عز وجل، فلم تبالي بعد ذلك بخطأ الطبيب الكبير، ولا طمع المحامي، ولا غياب العدالة، بل قررت أن تترك ذكرى طيبة عن ابنتها لترقد بعد ذلك بسلام بين يدي من لا يضيع عنده حق.
هامش:
لقراءة القصة في مدونة أحمد الدكالي: