المعذبون
, كتب في
مـتـفـرقـات
,
14 تعليقات
من مذكرات العام الماضي
أغسطس/ آب 2010
بقلم: عصام الزاهيري
كان قسم المستعجلات فارغا بعد الظهيرة إلا من بعض الحالات العرضية. جلست رفقة زملائي نتجاذب أطراف الحديث، نتكلم عن ذكريات خلت، وعن أحداث مضحكة، و أحلام منتظرة . لوهلة قصيرة شرد ذهني، وسرح بالي يتذكر أفواجا من الناس. تلك الأفواج التي تلتقي بها عيناي كل صباح عندما أذهب إلى المستشفى، أناس في أعينهم البؤس وفي ملامحهم حزن دفين تخفيه ابتسامة من أجل الحياة. فتيات وفتيان يستيقظون في الفجر للعمل في الحقول، للبحث عن قوت قد يأتي أو لا يأتي. شباب في عمر الزهور… ظروف قاسية.. وعـــود… أحلام …
وسط هذه المتاهة من الكلمات أيقظني من سرحاني صوت أحد الزملاء قال: " اليوم قد نخرج باكرا إذا بقي الحال على ما هو عليه الآن "
فردت إحدى الزميلات قائلة: ربما يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة ، لذا تريثوا قليلا ".
وبالفعل كانت العاصفة، انفتح الباب لتدخل أفواج من رجال الوقاية المدنية، كل اثنين يقومان بدفع شخص ما إن يضعاه حتى يأتيان بالتالي، وهكذا حتى بلغ العدد 10 ما بين شاب وشابة. كانوا كلهم شبابا في عمر الزهور أعمارهم تتراوح بين20 و 26 سنة. لكن هيأتهم وتقاسيم وجوههم كانت توحي لي كأنهم عجائز في الستين أو السبعين من أعمارهم. إنهم عمال الحقول، انقلبت بهم شاحنة النقل في طريق عودتهم إلى ديارهم. الديار التي ربما يصلونها أحياء أو يعودون في كفن لا قدر الله.
كانت جل إصاباتهم في الرأس، مع كسور بليغة في الأطراف. رائحة دم تزكم الأنوف, وفي المكان رائحة جلد احترق بفعل الشمس، جلد لم تعرف له مستحضرات التجميل الحديثة أي طريق. وملامح وجه الفتيان تخبئ وسامة ناذرة محاها الزمن القاسي. اضطررنا إلى حلق رؤوسهن ورؤوسهم لأن الإصابات كانت بليغة جدا. قالت لي صديقتي: انظر إلى شعرهن، إن أسنان المشط لم تداعبه منذ زمن طويل، قلت: ربما كان المشط يداعب خصلات شعرها عندما كانت صغيرة، عندما كانت تلعب في البيدر، عندما كانت تلاحق الدجاج، عندما كانت تبلله في الساقية لتتباهى بسواده أمام الفتيات الصغيرات أمثالها. أما الآن فقد ضاع كل شيء …
فجأة علا في قاعة العلاج صوت أم مفجوعة على ابنتها، وكانت تصرخ قائلة : لعن الله الفقر …أَكُلّ هذا من أجل 40 أو 50 درهما في اليوم ؟؟؟
نعم ما بين 40 أو50 درهما هو الأجر اليومي لهؤلاء الناس، بدون أي تأمين إجباري أو تغطية صحية، 40 درهما ربما تغطي مصروف اليوم أو لا تغطيه أبدا. هؤلاء من يسعى المنتخبون وراء جهلهم للحصول على أصواتهم، يوزعون الوعود الزائفة،
كالورود في أعياد الميلاد. هؤلاء من تصنع الحكومات آلامهم وتدعي الأرق والسهر على أمور حياتهم. هؤلاء من جعلوا الأمل أفسح مجال للعيش، هؤلاء هم المطرودون من زمن الأحلام …. ولن تنتهي أحزانهم هنا مهما كتبت لأن اللائحة طويلة جدا …..
بعد إتمام المهمة وإنقاذ ما أمكن إنقاذه من الناس جلست على كرسي خشبي وأنا أقول في نفسي: لقد كانت الاشتراكية تضع
رمزي "المطرقة والمنجل" على عَلَمِها مدعية دفاعها عن الفلاحين والعمال. انتهى زمن الاشتراكية فحَلَّ زمن توزيع الأحلام والوعود الزائفة، وفي كلا الزمنين لم يتحقق شيء لهؤلاء، فمن يدافع عنهم ؟؟؟
إن الحكومات تصنع آلام الناس، والأحزاب تتاجر بآلام وأحلام الناس، لكن الحقيقة أن لا أحد يدافع عن الناس ...