السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختي الكريمة سناء ..
كل عام وانتم بخير بمناسبة عيد الفطر.
شد انتباهي موضوع "مجرد كلام" الذي طُرح في مدونتك وتابعت الموضوع والردود عليه باهتمام شديد. وسبب هذا الاهتمام أنني خليجي أولاً ، وعربي ثانياً، ولدي علاقة مميزة مع المغرب الشقيق ثالثاً. وهذا ما سوف أحدثك عنه بالتفصيل.
في بداية كل يوم دراسي كنا نقوم بتحية العلم ونقول:
وطننا : من المحيط إلى الخليج.
أملنا: أمة عربية واحدة.
نموت لتحيا: دولة الإمارات العربية المتحدة.
لطالما ارتبط هذا المعنى معي خلال سنوات الدراسة ولكن لم أكن أفهم ماذا نعني بالوطن العربي، فيومها (أي في منتصف الثمانينيات) كان لدينا في المدرسة بعض الطلبة العرب الذين قدم آباؤهم للعمل في مختلف المجالات وأهمها الصحة والتعليم. كان هناك المصري والسوري والفلسطيني والأردني والسوداني والصومالي واليمني فعرفنا الكثير عن هذه الدول من خلال تفاعلنا مع زملائنا وما زالت قائمة أصدقائي نزحر بمختلف الجنسيات العربية التي أعتز بها وأقدرها. ولكننا لم نكن على اطلاع على بقية الدول العربية وباختصار لم نكن نعرف شيئاً عنها وعن شعوبها.
حدث أن المغرب العربي كان بعيداً عن حياتنا اليومية فلم نكن نسمع عنه شيئاً إلا في دروس الجغرافيا التي كانت تعطي معلومات سطحية جداً وعامة بحيث لا يتميز بلد عن بلد ..أو عندما تكون هناك زيارة لوفد مغربي إلى رئيس الدولة حيث كانت تُنقل تفاصيل هذه اللقاءات على التلفزيون الرسمي.
أول مرة بدأت أسمع عن المغرب كشعب وبلد كان في منتصف التسعينيات أي في الفترة الجامعية، ولم تكن المعرفة مبهجة حينها. قصص عن السحر وأنواعه ومصائبه تُحكى عن مغربيات أتين إلى البلد وخربن البيوت وعثن في الأرض فساداَ!! مطربات النوادي الليلية وراقصاتها .. ثم قصص أخرى عن أماكن ممارسة الرذيلة وتحتل تلك المراكز قيمة عالية إذا كان فيها مغربيات. وقصص أخرى عن شباب من دولتي ذهبوا إلى المغرب وقضى كل واحد منهم شهوته وأصبح يتردد على ذلك البلد كلما سنحت له الفرصة. وقصص كثيرة كانت تتداول في مجالسنا حتى تكونت صورة مخيفة مقيته عن المغربيات لدرجة أن بعض الزوجات قد تترك منزلها وتطالب بالطلاق إذا عرفت ان زوجها سافر إلى المغرب!! حمدت الله يومها أنني لم أتعرف على أي مغربي أو مغربية ولم تطأ قدماي ذلك البلد المشبوه، وسارت الأمور على هذا الحال إلى أن حدث ما غيّر تلك الصورة الظبابية الظلامية إلى صورة أكثر إشراقاً أو أكثر واقعية.
كنت مدعواً إلى وليمة لدى أحد أصدقائي المقربين ولفت انتباهي أن من بين المدعويين شخص مغربي فاستنكرت ذلك ولكن من خلال الحوار والتجمع على الوليمة شدني أسلوب ذلك الشاب الذي تظهر عليه أمارات الوعي والطموح والثقة بالنفس وحدثنا كثيراً عن المغرب، عاداتها وتقاليدها وقيمها وتنوع شعبها، ذهب بنا إلى كازا ومراكش والرباط ومناطق أخرى .. حتى تيقنت أن المغرب قد ظُلم ظلماً شديداً لدينا بعدم الاطلاع عليه وعدم نقل الصورة الإيجابية عنه.
بعد ذلك اللقاء مع أخي المغربي تعدت العلاقة لتشمل الكثير من الشباب المغاربة الذين كانوا على شاكلة صديقي الأول وبعضهم أفضل. وتخلل ذلك تبادل اللقاءات وتجربة الأكلات المغربية الشهيرة مثل الكسكسي والطاجين وتوجت تلك المعرفة بتعارفي على شاب مغربي رائع يدعى محمد. فقد كان مسؤولاً عن تخليص بعض المعاملات المتعلقة بأحد المشاريع التي نقوم بها من هنا أخذت المبادرة وسألته لماذا تكونت لدينا صورة خاطئة عن المغرب؟ رغم أنه صُدم من سؤالي إلا أن جوابه أشعرني كم كنت سطحياً بتقبل تلك الصورة السطحية عن بلد كبير مثل المغرب.
بعد ذلك أصبحت أكثر تفتحاً على المغرب وبقية دول المغرب العربي من خلال القراءة التي أعشقها وظهور الشبكات الاجتماعية والمدونات، وحدث أن جاءني صديقي محمد بطلب وهو مساعدة أسرة فقيرة متعففة في المغرب. تم الاتصال بتلك الأسرة ولم تكن حاجتهم لأكل ولا لشرب وإنما لإكمال تعليم ابنتهم ذات التسعة عشر ربيعاً . تم الأمر وقدمنا لهم المساعدة. وارتبطت بتلك الأسرة ارتباطاً وثيقاً وتمكنت ابنتهم من الدراسة في أحد المجالات الطبية وتخرجت بفضل الله وهي تعمل حالياً في إحدى الدول الأوروبية. كانت هي أول فتاة مغربية ألتقيها، فتاة طموحة، تتزين بحجابها وثقتها بنفسها وأخلاقها وقد أعطتني صورة مغايرة عما كنت أسمعه من أحاديث الناس. الآن وهي على أعتاب الزواج أنظر إليها كأخت عزيزة أكن لها ولعائلتها الكريمة كل تقدير واعتزاز.
ومن خلال تعاملي مع تلك الأسرة وصديقي محمد وبقية الأصدقاء، تعرفت على مغربيين ومغربيات من عدة مهن ومن عدة مناطق. وتبينت لدي الحقيقة. كان الكثيرون يتحدثون عن الفقر وأنه سبب انحراف بعض المغربيات، لكن الأسرة التي تعرفت عليها تعيش غارقة في الفقر ولكن بناتها كن نعم البنات خلقاً وتعاملاً.
وبعد أن من الله علي وفتحت شركتي الخاصة، قمت بتوظيف إحدى الفتيات من المغرب العربي وكان لصديقي شركة وتعمل لديه فتاة مغربية أيضاً.. وتعرفنا خلالها أكثر على حياة البنات القادمات إلى الدولة للعمل. للعلم فإن دولة الإمارات يعيش فيها أكثر من 250 جنسية مختلفة. عايشت أنا وصديقي معاناة البنات في الحصول على سكن ملائم فما يحدث غالباً كالتالي:
· تأتي البنت للعمل في الدولة وهي في مقتبل العمر، ولديها طموح وأمل لتكوين نفسها ومساعدة أسرتها.
· في أغلب الأحيان تكون سكرتيرة أو مزيّنه، أو بائعة في محل أي أن الراتب من 2500 إلى 5000 درهم إمارتي غالباً.
· بعض الشركات لا توفر سكناً للعاملين لديها فتضطر البنت للبحث عن شقة أو غرفة. فلو أرادت ان تستأجر شقة صغيرة (ستوديو) تناسبها لوحدها فذلك قد يساوي 30000 درهم سنوياً بالإضافة إلى الرسوم والمصاريف الأخرى. من مأكل وملبس ومواصلات. فلو فرضنا أن البنت راتبها 5000 فإن نصف راتبها يدفع للإجار (اعتقد انكم تسمونه الكراء). ولو فرضنا أنها بعثت بألف درهم إلى أهلها فيتبقى لها صافي الراتب 1500 وهذا مبلغ يصعب العيش فيه في دبي أو أبوظبي أو الشارقة خصوصاً لو خصمنا منه قيمة المأكل والملبس والمواصلات والعلاج وغيرها من المصاريف. وهذا على حساب الخمس آلاف فماذا عن من هي راتبها 2500 أو 3000؟
· لذلك تتجه بعض البنات إلى السكن المشترك حيث تدفع 700 أو 800 شهرياً ولكن عليها أن تقيم في شقة صغيرة المساحة تتسع عملياً 5 أشخاص ولكن قد يتكدس فيها حوالى 15 بنتاً من عدة دول عربية وغير عربية وهناك يختلط الحابل بالنابل، فاختلاف التربية والقيم الدينية يؤدي إلى تبادل بعض العادات الغير مرغوبة مثل امتهان بعض المهن الغير شريفة ويحصلن على دخل يفوق راتبهن الشهري ويقمن بإغراء غيرهن بفعل نفس الشيء. وقد كنت شاهداً على الكثير من مثل هذه القصص كوني كنت مسؤولاً عن الموظفة التي تعمل لدي في الشركة.
· وبما أنني صاحب شركة صغيرة فكنت أصرف للموظفة 3000 درهم وهي تقوم بتدبير السكن ولكن كنت أساعدها في المواصلات. وقد تعرضت كثيراً لضغوط من المقيمات معها حيث كان يُعرض عليها بيع جسدها حتى تعيش حياة كريمة. كنت أشاهد معاناتها حتى جاء ذلك اليوم الذي عرض عليها أحدهم مبلغاً يساوي راتبها لسنتين بالإضافة إلى سيارة تساوي ذلك المبلغ أيضاً مقابل أن يحظى هو باللقاء معها كأول شخص (حيث كانت عذراء)!!
· أصابني ذلك بالغثيان فقمت أبحث لها عن سكن منفصل ملائم فلم نجد ما تستطيع تحمله. الحمدلله انتهت معاناتها بعد أن وفرت لها فرصة لعمل إضافي شريف ومن ثم التقت بأحد أبناء وطنها وتزوجت ولله الحمد.
أختي الكريمة كلامي طويل جداً ولكن ما أردت قوله هنا أن ما يحدث من استغلال للبنات لا يطال المغربيات فقط بل يشمل كل الجنسيات بما فيها الجنسيات الخليجية. نعم هناك الكثير من ضعاف النفوس من الرجال وهناك الكثير من ضعيفات النفوس من البنات وهذا يؤدي إلى وقوع تلك الأمور.
ونفس الكلام ينطبق على الرشوة والسحر وغيرها، فنحن في دولة الإمارات لدينا كل تلك المصائب رغم محاولة الإعلام إخفاءها. والسحر الآن منتشر حتى بين الطلبة والطالبات. إنها معضلة أخلاقية عالمية وليست مقتصرة على المغرب.
دعيني أقف على تساؤلاتك التي وردت في المدونة:
هل الرشوة موجودة في بلادنا كما ظهر في المسلسل الكرتوني ؟
أنا لم أشاهد المسلسل الكرتوني ولكن اعتقد ان الرشوة موجودة في كل مكان وليست حكراً على المغرب.
هل يأتي بعض الخليجيين لبلادنا من أجل شراء الأراضي والاستثمار؟
نعم وأعرف الكثير منهم وهذا لا يقتصر على المغرب فحسب فهناك استثمارات في مصر وسوريا ولبنان ودول اخرى غير عربية.
هل يأتي بعض الخليجيين لبلادنا من أجل نزواتهم وإشباع غرائزهم؟
نعم، حدث هذا ومازال يحدث. إلا أنني عرفت أن الحكومة المغربية تضيق على هذه الممارسات حيث توجد فرق أمنية تمنع صعود البنات المغربيات مع الضيوف في الفنادق، وعوضاً عن ذلك يقوم البعض باستضافة بنات الهوى في أملاكهم الشخصية مثل الفلل. وأكرر ان ذلك لا يقتصر على المغرب فقط فهناك جهات ودول كثيرة، ومن بينها دول خليجية توجد فيها تلك الأنشطة.
ولا ننس هنا دور بعض المغاربة الذين تسول لهم أنفسهم التدليل على بنات بلدهم وتسهيل إجراء تلك العلاقات مقابل مبالغ مجزية.
هل تطمع بعض المغربيات في الزواج بخليجيين؟
عرفت ذلك من خلال معرفتي بأصدقائي المغربيين، ولكن الموضوع ليس مفتوحاً تماماً فهناك أسر محترمة لا تزوج بناتها إلا بعد أن تتأكد من أخلاق المتقدم. ولا أخفي سراً إذا قلت لك أن بعض أقاربي متزوجون بمغربيات، وبصراحة كل أفراد العائلة يثنون على أخلاق الزوجات وحشمتهن ومضى على ذلك الزواج ما يفوق السبع سنوات ولله الحمد.
ما هي الشرويطة؟ لا أعرف شيئاً عن هذا الموضوع.
من هو طارق بن زياد؟ أعرف طارق بن زياد ولكن لم افهم المقصود من السؤال.
أردت أن أشارك بأفكاري وتصوراتي عن الموضوع ولدي الكثير الكثير لأقوله فأنا كصاحب شركة مطلع كثيراً على واقع العمالة لدينا في الإمارات وعن حقيقة النظرة للبنات القادمات للعمل في الخليج. واعتذر كثيراً على الإطالة واتمنى أن أكون أضفت معلومة او وضحت شيئاً ولو بسيطاً عن ما يحدث هنا.
خلاصة القول أن المغرب ليس وكراً للسحر والرذيلة والرشوة .. فهو بلد عربي مسلم فيه الكثير من المتمسكين بثوابت الدين والتقاليد الشرقية، أما السلبيات فهي في كل مكان ولا توجد دولة لا يوجد فيها كم كثير أو قليل من الفساد في كل النواحي.
وتقبلي تحياتي