إيمان في لبنان (2)

اليوم الثاني: بداية الحلم

بيروت، تبدو تلك الجميلة رائعة تماما كما نراها في شاشات التلفزيون. وأراضيها المنسقة تظهر الانسجام الحضاري والاختلاف الجوهري بين من يعيشون فيها من لبنانيين وغيرهم. فبيروت تعطي احساسا مختلفا لكل من زارها، وكيف لا وهي تجمع بين حضارات عريقة أخذ منها الزمن نسمات اجتمعت في هاته الأرض الطيبة.

ترجلت إيمان من سيارة المرسيدس التي ركبتها من المطار رفقة مستقبلها الأستاذ حاتم. وكانت حفاوة الاستقبال بها كبيرة جدا لدرجة الدهشة، فابتسمت كثيرا وضحكت أكثر بلهجة لبنانية اكتسبتها بسرعة، مع الرجل الذي سيوصلها إلى منزل الأحلام حيث ستقطن، قبل أن تبدأ عملها مع بداية الأسبوع المقبل.
- مرحبا بالمغرب وبنات المغرب.
هاته الكلمات القليلة رددها الأستاذ حاتم كثيرا، وهو يبدي الإعجاب بجمال إيمان التي ابتسمت أيضا لهذا الإطراء، رغم أنها قد ألفته من قبل، من رجال مدحوا جمالها كلما رأوها.
وقفا أمام منزل جميل في ضواحي بيروت الحالمة، بباب حديدي كبير وحديقة جمعت من روائح الياسمين والنرجس عطرا مميزا. دخلت إيمان المنزل وشعور غريب ينتابها، اعتقدت أنه إحساس بالفرح والسرور بعالم جديد ستقتحمه. منحها عند الوصول الأستاذ حاتم هاتفه لتكلم أسرتها، فدمعت عيناها لسماع صوت والدتها مجددا، ولإخوة كلموها واحدا تلو الآخر، معبرين عن شوقهم لعودتها بملابس ولعب جديدة.

وبعد أن مسحت إيمان عينيها الباكيتين، طلب منها السيد الطيب دخول الغرفة الرئيسية كي تتعرف على زميلاتها الجديدات في العمل والسكن. وفتح الباب على وجوه ثلاث فتيات جميلات، بدين ضاحكات مبتسمات، تسمرن فورا بعد دخول الأستاذ حاتم، وبدأن يتهامسن وينظرن بطريقة غريبة لم تفهمها إيمان.
وبعد تعارف بسيط، رحل الأستاذ حاتم تاركا المجال للفتيات من أجل التعرف أكثر على صديقتهن الجديدة. وزع غمزات على إحداهن كأنه يخبرها بضرورة عمل شيء معين، ثم ولى ظهره راحلا.
اقتربت احدى الفتيات من إيمان:
- منين نتي؟
- من مراكش..
- وفاش كنتي خدامة؟؟
- كوافورة
تعالت الضحكات في الغرفة الرئيسية، وسمعت كلمات قليلة بأصوات كل من كن هناك:
- كوافورة..ههههههههههه... ده كان زمآآآآآان


يتبع

لمن سأهدي الورود؟ (2)

تذكير: لمعرفة بداية قصتي مع الورود، المرجو الإطلاع على هاته التدوينة: لمن سأهدي الورود؟

صباح الخير.
شمس ذهبية وجو جميل يغري بتوزيع الورود. فلنبدأ على بركة الله..
جهزت نفسي وودعت والدتي كما كل يوم، وتمنيت حينها لو أني أملك كل ورود العالم حتى أضعها تحت قدميها الحنونتين. ألقيت تحية الصباح على مرافقي أشرف (تتذكرونه أليس كذلك: أنا وأشرف). قبل أن نتوجه معا للكلية رغبة في معرفة آخر أخبار الاضرابات والتجمعات التي يسمع رنينها في كل المغرب.
أشرف اليوم يبدو نشيطا ولن يعاندني أو يوقف مساري لأي سبب من الأسباب، خصوصا أني تكرمت عليه ببنزين صباحي من أحد المحطات الموجودة بالقرب من سوق الورود، ولا أدري من صاحب هاته الفكرة المبدعة بوضع البنزين الأسود جنبا لجنب مع الورود الناعمة ...حكمة الدنيا !!!!!. والآن يسعدني أن أواصل مشواري مع أشرفي نحو قرار هذا النهار: متابعة الأخبار وتوزيع الأزهار.
ولن أحكي لكم عن مساري وتفاصيله المملة، فالكل كان يطلب مني وردة من الثلاث وردات التي كنت أحملها، وكنت أقابل الطلبات بابتسامة رفض بسيطة، فلحد الساعة لم أجد وجهتي المجهولة التي تستحق ورودي.
توقفت قليلا عند الباب الذي اعتدت ولوجه منذ أزيد من ست سنوات، فوجدت نفس الانسان واقفا هناك كما عادته، بابتسامته الطيبة. وبدون أي مقدمات قدمت له وردة بيضاء. فابتسم، جعلتُ ابتسامته تكبر فشكرني بقوة. كان صاحب أول وردة هو حارس الأمن بباب أحد مستشفيات مدينتي، يعمل واقفا طيلة 12 ساعة يوميا، مدة ست أيام كل أسبوع، يوزع ابتسامات دائمة على كل العاملين ويستحق طبعا وردة شكر مني..
بعد انتهاء اجتماعاتي مع الأصدقاء، توجهت لملاقاة أشرف عند الموقف. وهناك التقيت رجلا هرما أحبه الجميع، كثير الكلام والابتسام، دائم الحديث عن مراكش الحمراء الجميلة قبل وبعد سنة الألفين. لطالما اجتمع عنده حشد كبير من العاملين ليروي لهم مغامرات أبناء البهجة القدامى أيام الطنجية والنزاهة في المنارة، ولطالما ناقشت معه أخبار وأحوال فريقنا المفضل، فقد كان يعكف رغم كبر سنه على مشاهدة كل المباريات. منحت وردة لحارس موقف الدراجات الذي أفنى طفولته وشيبه وهو في نفس المكان، يحرس دراجات الموظفين. منحته وردة فابتسم وسألني عن المناسبة؟ قلتُ: لأنك تستحقها.. فضحك وقال: يا ليتها كانت حمراء كمدينتنا الجميلة، على العموم سأحتفظ بها فهي أول وردة أحصل عليها في حياتي.
غادرت المستشفى وكل سرور بجواب الحارس البهجاوي، وتعمدت في طريقي أن أمر من أمام حارس الأمن كي أرى مصير وردتي، زاد سروري لما رأيته قد وضعها في جيب قميصه الأمامي. وتوجهت بسرعة للمنزل فأنا أعلم حقا لمن سأهدي وردتي الثالثة.
فتحتْ لي الباب كما عادتها، قبلت جبينها وقدمت لها الوردة، ابتسمت برفق وهي تقول: الله يرضي عليك أبنتي..أمي الحبيبة تستحق أيضا أجمل وروود الدنيا :)
ارتحت قليلا بعد توزيعي لثلاث وردات، لم أكن أعلم إلا القليل من المعلومات عن اثنين من أصحابهما، لكن القاسم المشترك بينهما هو الابتسام الدائم. حدثت نفسي بأن من بين الغير مبتسمين من يستحق الورود أكثر، ربما ستعيد لهم البسمة، وربما لا.. لكن الأمر يستحق حقا أن أجربه...
مازالت هناك سبع وردات تنتظر توزيعها، متى وأين؟؟ حاليا، أنا لا أعرف.. لكني أكيدة باذن الله، أني سأحاول بها زرع ابتسامة ولو للحظات على شفاه أشخاص أعرفهم أو لا، وأكيدة أيضا أنكم ستعرفون التفاصيل ان شاء الله عما قريب.. فقط انتظروني.
سلاموووووووو


هامش: تم إهداء الورود يوم 3 يونيو... عذرا على التأخير

يتبع

إيمان في لبنان (1)

اليوم الأول: بداية الرحلة

حملت حقيبتها الصغيرة، ودموع غزيرة تلون خدها الأبيض الجميل. غرفتها كانت مليئة بصديقات أتين لتوديعها وإخوة تراقصوا فرحا لسفر أختهم الكبرى إلى بلاد ملكة شخبط شخابيط. أما إيمان فلم تستطع أبدا تمالك نفسها وهي ترى والدتها العزيزة المشلولة تودعها بدعوات الألم والأمل والرضى على ابنة تحملت مسؤولية أسرتها في وقت غاب فيه مسؤول الأسرة الأول.
ثلاث ساعات وهي تنتظر والدها الذي تأخر كما عادته كل يوم، رغم أنها أخبرته بموعد سفرها وترجته أن يأتي مبكرا كي يودعها. لكنها تكهنت بعد غيابه بمكان وجوده: خمارة الحي المشهورة  التي تشهد يوما بعد آخر فضيحة يكون هو بطلها، بصراع وخصومات مع صاحب الخمارة، أو عراك مع أحد الزبناء السكارى هناك، أو مشاحنة مع إيمان التي تعودت منذ عشر سنين، على ملاحقة والدها ومساندته في طريق العودة، حين يكون ثملا حتى فقدان الوعي.
منذ عشر سنوات تغيرت حياة إيمان واخوتها، لما استيقظت والدتها فجر يوم على شلل نصفي، عرف سببه فيما بعد بمرض نقله لها زوجها. أب إيمان الذي خاض حربا ضروسا بين أحضان عاهرات مراكش، فكانت زوجته المسكينة ضحية نزواته بمرض مزمن لازمها، وأولاد دفعوا الثمن من حياتهم واستقرارهم، وصحتهم وصمودهم.
عشر سنوات جعلت إيمان تعتزل دراستها وتصقل موهبتها في مجال التجميل، لتشتهر بعد ذلك كأفضل حلاقة جميلة، تسلب لب الزبونات ببراعتها وحسن تعاملها، وتسلب عقول الرجال بجمالها وأناقتها. وتجعل ألسنة الناس تتحدث عن سمعة سيئة تشتهر بها كل فتاة تعمل بمجال الحلاقة.

ودعت إيمان والدتها بحرقة، ورسمت قبلات دامعة على خدود إخوتها أمين ونبيل وأمنية. سلمت على الجارات وهي تركب سيارة الأجرة التي كانت في انتظارها.
بدت الطريق طويلة وهي تلقي آخر النظرات على حيها الفقير، أخيرا ستستطيع تحقيق ما تمنته بعد أن حصلت على عقد عمل في أحد أشهر صالونات لبنان. ستعيش هناك عالما جديد سيضمن لها ولأسرتها حياة كريمة، وستكتسب في المقابل تجربة ستفيدها إذا ما فكرت يوما بفتح صالون تجميل خاص بها.
بدأت أحلام كثيرة تراود فكرها المبتسم تخوفا، حتى رأته هناك واقفا في ناصية الشارع،  ينظر إلى سيارة الأجرة  التي تركبها بكل حسرة. تألمت كثيرا لكلماته المذلة التي مازالت ترن في مسامعها، والتي قالها في آخر لقاء جمعهما،حين لامها على قبول عقد العمل ونعتها بالغانية لأنها قبلت العمل في بلد عربي وهي تعلم تماما ما تقوم به المغربيات هناك. لكنها كانت واثقة من نفسها وأخلاقها، وواثقة من قراراتها لما فضلت خدمة أسرتها على عيش حب قد يبعدها في لحظة من اللحظات عن طموحها.

يتبع


أفٍّ للعرب


وجدت قبل أيام دفترا بنيا، يجمع بين وريقاته القديمة كلمات قيل أنها شعر، تتحدث مرة عن فلسطين حزينة وقدس سليبة ويهود أشرار، أو عن مغرب رائع، بطبيعة خلابة ومواطنين أخيار.
تذكرت أن الأمر يتعلق بكلمات ساذجة لفتاة في العاشرة من عمرها، تحلم بمدينة فاضلة، تأكدتْ فيما بعد أن وجودها هو من سابع المستحيلات. قديما، كنت أكتب عن المغرب والقدس، والآن صرت أهتم أكثر بكل ما هو مغربي. لا أعرف لماذا !!!!!
حسنا سأنقل لكم كلمات تأفف من العرب وحالتهم، وجدتها في أرشيف عمر العاشرة. وحق الضحك مكفول للجميع وأولهم أنا ههههههه.

أُفٍّ لكم يا عرب
يا عبيد العجب
يا براميل الخراب
يا أحباء السراب
يا دعاة للسلام
ينقصهم هم السلام
يا فاقدين الشرف
يا مُلاَّكا للخوف
يا خاسرين الكرامة
يا ضحايا الدوامة
دوامة الكبار
اسرائيل والجوار
يا خُدَّام التقدم
يا خاسرين التفهم
أُفٍّ لكم يا عرب
يا عبيد العجب
يا متخلين عن أرضكم
يا مفرطين بمجدكم
حرروا هيا القدس
واحموها من الدنس
واحموا أرضنا لنا
أرض العزة والإباء
يا رجال الإباء
يا رجال الإباء

أُفففففففففٍّ للعرب

1996


لمن سأُهْدي الورود؟


لمن سأُهْدي عشر وردات؟ عشر وردات؟؟؟ همممم فكرة غبية في زمان ومكان لا يعترف إلا بقوالب السكر كهدايا تقدم في كل المناسبات، كتعبير عن كل شيء وعن لا شيء. ورغم ذلك صلابة رأسي تجعلني أقرر شراء عشر وردات لأقدمها لأشخاص ربما لا أعرف جلهم.
هممم، ماذا سأخسر أنا؟ مجرد فكرة خطرت في بالي لأرى بها إن كان الآخرون سيتأثرون بوردة قُدِّمَتْ لهم من فتاة غريبة، ربما اعتبروها مخبولة.
ستخسرين ثمن الورود يا غبية!!!!!!!
حسنا، لا بأس. أعرف نفسي كما تعرفني والدتي التي تقول دوما بأن يداي" مثقوبتان" بسبب تبذيري للمال. وأنا تيقنت مع هاته الفكرة " العبيطة" أني لا أملك يدان بالأساس، أحافظ بهما على مصروفي الشهري. مجنونة أنا هكذا يعرفني الآخرون، ورغم ذلك سأوزع العشر وردات...
حسنا، حسنا يا عنيدة. وزعي الورود كما شئت، اختاري زهورا حية قوية، بألوان لها معاني أولا. اختاريها حمراء لأنك ربطت حياتك بهذا اللون، ولأنك تحبين الجميع أيضا. أو بيضاء ربما بحثا عن القليل من السكينة والهدوء. أو أي لون تريدين، المهم ألا تنسي الحفاظ عليها نضرة. لا يجوز أن تهدي ورودا ذابلة يا سناء!!! هآاء، انتبهي جيدا..
حسنا، سأشتري كل مرة أرغب فيها بالخروج، ثلاث أو أربع وردات، المهم أن يكون في حوزتي فقط ما سأستطيع توزيعه. ثم إني سأدّخر قليلا اذا ما عجزت عن إيجاد من يستحق ورودي.. سأختارها بيضاء، بلون السماء والماء.
 الماء لا لون له يا نبيهة..
 احم احم المهم بيضاء صافية، ككل القلوب التي سأمنحها الورود.
ذكية يا مغربية !!!!!
هيا ابدئي اذن، مغامرتك الوردية. أقصد البيضاء، وقولي لنا من أول من تفاجأ بوردتك الهدية؟
حسنا سأبدأ.. بسم الله توكلنا على الله.. 
أول وردة بيضاء...

يــتــبــع