صاحب النظرات


السيد صاحب النظرات،
أزعجتني كثيرا تلك النظرات الجريئة التي رمقتني بها آخر مرة، وكنت قبل ذلك ترمقني بها أيضا كل مرة. لم أستسغ أبدا أن تجد متعتك في النظر لجسد ليس له مَلِكٌ سوايَ. لذا غضبتُ من تصرفك الغير مقبول، وقررت أن أضع حدا لكل تلك النظرات الوقحة.

يا صاحب النظرات،
هل تعلم أن نظرات عينيك تغيضني... نعم، وتزعج الكثيرات من بنات جنسي. وحتى إن خُيِّل لك أنك تلمح في أعين بعضهن احساسا بالزهو والانتصار، وتلمح في أعين الباقيات فرحا واعتزازا بالنفس. لكن الحقيقة أنها تزعجنا جميعا بطريقة أو بأخرى. فبها أنت تُمَلِّكُ نفسك حقا ليس لك، وبها نحن نخسر حقا هو لنا فقط.
وإن كانت ردات فعل بعض زميلاتي مختلفة عما تقوم به الباقيات، لكننا جميعا اتفقنا على أنك لست من النوع المفضل، والسبب هو تلك النظرات.

السيد صاحب النظرات،
أحيانا، أعتقد أنك انسان غبي ساذج لا يفقه شيئا من علوم الحياة، لذا يمنح نفسه الحق في اقتحام أجساد الباقيات بعينيه. لكني تأكدت بعدها، أنه وراء ابتسامتك الحمقاء هناك عقل يوازي ثقله دماغ انشطاين. ووراء هندامك الشبه مرتبك، هناك شخص يخفي حقيقته، فهو لا يعرف نفسه أكيد ويتوقعه أن يعجب الآخرين بالنظرات. ووراء وقفتك الجريئة، تختبئ شخصية هشة كالفزاعة، ترعب العصافير بالأوهام.

السيد صاحب النظرات،
لا أخفيك سرا، أننا نكره كل ذكر جعل دماغه حبة عدس مدهونة  بالتستوسترون. وأنت طبعا لا تحب أن تجعل من نفسك، أضحوكة حيوان ينزلق مع أول منعطف لزج..لذا، المرجو احترام كل من فكرتْ يوما، أنك ستعتبرها في مقام أختك أو ابنتك أو زوجتك أو أمك. وفقط نرجوك، أبعد تلك النظرات.

حـكـايـة دُرَّة - البداية

هامش :
السلام عليكم
قبل أن أخط أي كلمة في نهاية حكاية درة، أود أن أشكر كل الذين تابعوا الحكاية منذ بدايتها، وكل الأصدقاء الذين منحوني ملاحظاتهم وانتقاداتهم، وأيضا كل الرائعين الذين تابعوا القصة في صمت.. أود أيضا أن أوضح مجددا، أن الحكاية واقعية وحقيقية، أحببت أن أشاركها مع جميع الأصدقاء، فكتبت المشاهد المهمة منها، دون الاهتمام بجنس الكتابة أو صنفها الأدبي.. في انتظار ملاحظات وتعليقات الجميع..  سلامووووووو


الجزء الأخير: تبقى الذكريات وتستمر الحياة

وقفت درَّة أمام شاهد قبر سليم، حاملة ابنتها الصغيرة بين ذراعيها، قرأت فاتحة على روح الفقيد، ولم تفارق الدموع أبدا عينيها بعد  ذلك... تنهدت في صمت قبل أن ترفع صوتها فتكلم الشاب الذي أحبته يوما، قبل أن يأخذه منها القدر:

" سليم، شكرا لك على كل شيء. شكرا على كل تلك اللحظات الجميلة التي عشتها معك.زرتك اليوم كما عادتي، وستكون آخر زيارة لي قبل أن تكبر ابنتك فأرافقها لتعرف قبرك.
 سميتها بسمة، كي يكون حظها من السعادة  والابتسام أكبر من القدر الذي عشناه معا. جئت أعرفك على ابنتك الجميلة، تبدو هادئة مشاغبة مثلك، وفاتنة مثلما كنت تراني دوما..
إن كنت تريد معرفة أخباري، فسأقول لك أني بعد حبك عرفت الحب، وبعد حنانك عرفت الحنان.. تزوجت بعد ولادة بسمتنا من شخص عشقني فأحببته. كان في منتهى السعادة، وهو يمسك ابنتنا بين يديه حين رأت النور.. وفرحت أسرته الصغيرة أيضا بالحفيدة الجديدة التي أنارت منزلهم.. كلهم يعرفونك يا سليم، ويدعون لك بالرحمة دوما..
إن كنت سابقا قد طمأنتني بأن كل شيء سيكون بخير، فأعترف لك الآن، بأني لم أذق طعم السعادة الحقيقية وراحة البال، إلا وأنا مع أسرتي الجديدة وزوجي العزيز.
ارقد بسلام يا سليم، لن أنساك ما حييت... لكن، أنا الآن لي حياة جديدة، والتزامات عديدة..أودعك الآن، يا من منحني أروع هدايا الكون.."

حضنت درة ابنتها بقوة، ووضعت وردة بيضاء على قبر سليم، قبل أن تغادر المكان، لتجد عاصم في انتظارها أمام باب المقبرة. ابتسمت له، وحضن بدوره بسمة الصغيرة، وواصلا المشوار معا.



البداية
تـمـت

حـكـايـة دُرَّة - الجزئين السابع والثامن




قصة واقعية

الجزء السابع
أحيانا، تمسح الكلمات أحزان السنوات

خانتها الكلمات بداية، لكنها أحست أنها تعرف كل القلوب التي تسمعها باهتمام. حكت لهم بكل جرأة على أمواج الاذاعة التي يسمعها الملايين كل يوم وفي نفس الوقت، تكلمت عن معاناتها وعن أخطائها، عن ألمها الذي يتكرر كل يوم وعن سعادتها لأنها تحمل بين أحشائها أروع هدية تذكرها بحبيب قلبها.. أخبرت الناس بأن تتقبل اللوم فهي تعلم أنها مخطئة، وتنتظر النصيحة لأنها لا تريد أن يتحمل طفلها وزر أخطائها.. بكت لما عبرت عن اشتياقها لوالديها اللذان هاجرا ولم يكلفا نفسيهما عناء السؤال عنها...

كان المذيع يستمع باهتمام لكلماتها، ويبدي تأثره كل مرة بما تخبره إياه، مستغربا حينا ومتألما حينا آخر وغاضبا أحيانا كثيرة.. أخبرها بأن الجميع يساندها وبأن رسائل عديدة تصله في الوقت التي تحكي هي فيه حكايتها، لتدعمها وتدعم الطفل الذي لا زالت تحمله في أحشائها.

وبعد أن فضفضت، أقفلت الخط لتواصل الاستماع لكل التعاليق حول حديثها، سمعتهم يتكلمون : كل الأشخاص الذين يلومونها وكل القلوب التي تألمت لألمها.. وكانت نهاية البرنامج، دعوة لها من أجل زيارة مقر الاذاعة لمنحها كل المساعدة التي تحتاج إليها..أحست درة بالحزن الشديد، فهي قد شعرت بأنهم لم يصدقوها، لذا طالبوا برؤيتها. وقررت أن توضح لهم، بأنها لم ترد أبدا الشهرة أو الافتراء، بل فقط احتاجت لقلب رحيم يقاسمها معاناتها...

وجاء ذلك اليوم الذي ألغت فيه التردد بفضح هويتها، قررت أن تزور الاذاعة التي استمعت لحكايتها، وتفاجأ العاملون هناك لما رأوها، فقد توهموا أنه كان مجرد اعتراف يحتمل الحقيقة أو السراب، فقد اعتادوا على مكالمات تخترع حكايات وهكذا ظنوا درة وحكايتها... ابتسم المذيع لما رآها، وابتسم لبطنها المنفوخ الذي أكد صدق قصتها. وتكلمت معه مرة أخرى فعبر لها عن اعجابه بصمودها، وعدم رغبتها في التنازل عن طفلها لأي كان.. وقد أخفى في دواخله كغيره من عمال الاذاعة، انبهارهم الشديد بجمال درة الفاتن وخجلها الشديد.

وقبل أن تغادرهم الضيفة الفاتنة، منحها أحدهم ورقة تضم لائحة طويلة، تحمل عناوينا وأرقاما هاتفية لأشخاص اقترحوا مساعدتها ماديا ومعنويا. ترددت في أخذ الورقة، فهي لم ترغب إلا في فتح قلبها والحديث عن حكايتها، لكن مع إلحاح الجميع، قررت أن تمسك بيدها أرقاما وأسماء، لم تعرف أبدا أن من بينهم من قد يغير حياتها مرة أخرى للأبد...

_______________________________
 الجزء الثامن
عشق الأذن جميل، وعشق العين أجمل

أرقام وأرقام، كلها لأشخاص لا تعرفهم، لكنهم يعرفون قصتها الحقيقية. حملت الورقة بين يديها وبدأت تتأمل الأسماء والأرقام: بعضهم يعرض مساعدات مالية، وآخرون يقترحون أعمالا عليها، والبعض يحاول تبني طفلها الصغير. لكل طريقته التي وجدها مناسبة من أجل مساندتها، لكن هناك رقما واحدا لم يكتب بجانبه شيء. أحست بارتباك وفضول قبل أن تقرر الاتصال بذلك الرقم. احتاجت لشخص يعرفها ليقاسمها شعورها بالوحدة التي ظلت تلازمها رغم كل شيء..

اتصلت بالرقم، فأجابها صوت شاب، عرفته باسمها فرحب بمكالمتها فورا، تكلم معها كأنه شخص يعرفها منذ مدة طويلة...سأل عن أحوالها وأحوال حملها، عن تأقلمها مع العمل والسكن وعن قرب موعد ولادتها..شعرت بالارتياح وهي تكلمه، ولم تحس أبدا بتلك الساعات الطويلة التي قضتها وهي تحكي معه، عنها، عنه، وعن كل شيء..

كان اسمه عاصم، شاب طموح يدير مقاولة صغيرة لأسرته، استمع باهتمام في سيارته لحكايتها على أمواج الاذاعة، فأحس أنه يقاسمها همومها ويشعر بمثل ما تشعر به. فهو قبل سنتين، فقد خطيبته أيضا في حادثة سير مؤلمة لا تنسى. فكان قاسمه المشترك مع درة، الألم والشعور بالخسارة والوحدة.

تكلما كثيرا بعد أول حديث، وتعرفا على بعضهما البعض أكثر. كان يقص لها يومياته بكل تفصيل، وتحكي له عن تحركاتها يوما بيوم. طلب رؤيتها فوافقت، فكانت ضيفة على أسرته، التي عرفت قصتها كلها أيضا من خلال الاذاعة.

رآها غاية في الجمال، فانبهر بها ولم يستطع أبدا التظاهر بعدم الاعجاب بها، شعرت بالخجل قليلا من عائلته التي استقبلتها كنجمة ورحبت بها كثيرا. أحست بالدفء والسكينة وهي بينهم، وجدتهم أناسا جد طيبين، لم يسألوا أبدا عن ماضيها ولا عن أخطائها، ولم يلوموها أو يعاتبوها رغم أنهم قد عرفوا تفاصيل حياتها كما روتها هي. عاملوها بدلع وطيبة وقدموا لها هدايا لطفلها الصغير، الذي لم يبق له إلا أسابيع قليلة على الدخول لدنيا الغرائب العجيبة..

يـتـبـع

هامش: حكاية درة تنشر أيضا على صفحة المدونة في الفايس بوك، كل الأجزاء تجدونها هــنــا

قراءة بين سطور حكاية درة، تجدونها على صفحات مدونة الدكتور ويب هـنـا

الجزء الأخير من الحكاية، سينشر ان شاء الله في نفس الوقت على المدونة وفي مجموعة الفايس بوك  يوم الأحد مساء 

حـكـايـة دُرَّة - الجزئين الخامس والسادس



قصة واقعية

الجزء الخامس
قلوب الأحباء تعيش باستمرار: فإن رحل أحدهم، يواصل الثاني  المشوار

استيقظت  درة خائفة، كابوس مفزع ذاك الذي راودها ، دقات قلبها تتسارع شيئا فشيئا.. شربت القليل من الماء، ووضعت يدها
على بطنها المنفوخ لتتأكد من سلامة طفلها الصغير، كان يهيؤُ لها أن جنينها سيشق ذاك البطن المستدير ليخرج باكيا سائلا عن والده، تماما مثلما رأت في منامها.لكنها اطمئنت بعد أن أحست بضربات قلبه الصغير تساير دقات قلبها المرهف،فابتسمت ضاحكة لخوفها الذي لم تجد له مبررا..

بقيت مستلقية على كرسي سليم المفضل، تأخر كثيرا عن موعد عودته من الكلية، وهي لم تتحمل أن تبقى وحيدة ولم تتعود أبدا على الجلوس هكذا بدون نشاط. حتى أنها لا تستطيع ترك غرفتها حتى لا تصادف حماتها فتتعرض للتجريح والسخرية، كما يحصل كل يوم منذ خمسة أشهر مضت، لما وطئت قدماها منزل عائلة سليم وغادرت أسرتها أرض الوطن فلم تعد على اتصال بهم.

ارتجف قلبها مرة أخرى، أحدهم يطرق الباب بطريقة عنيفة، حاولت الخروج من غرفتها للاستفسار عن الأمر، لكنها تخوفت من كلمات حماتها... تراجعت قليلا، قبل أن تسمع دقات أعنف على باب غرفتها الصغيرة: افتحي يا درة ..... افتحي...لقد ماتحاولت استيعاب ما سمعته، لكنها لم تعرف أبدا ما وقع بعدها، وكل ما تذكرته، أنه عند استيقاظها من اغمائها المفاجئ، أخبروها ثانية أن زوجها وحبيب قلبها ووالد ابنها سليم، ق توفي اليوم في حادثة سير، أثناء عودته للبيت.

_______________________________
 الجزء السادس
الخطأ الذي يغير حياة إنسان ليس خطأً

ظالمة هاته الحياة التي تعيشها، كأنما هو كابوس طويل أبى إلا أن يحيا معها، ورفض أن يفارقها فيمنحها الحرية لتستيقظ منه. كانت تنظر لسقف الغرفة الباردة في منزل رفيقتها، فتعيد شريط الذكريات والأحداث المتسارعة التي عاشتها في فترة قصيرة جدا..

تذكرت كيف كانت تعيش الرفاهية والأمل، والحب واللامبالاة، كيف عشقت سليم فسلمته نفسها طوعا، وكيف حملت منه فجأة، فطُردتْ  بعدها خارج فيلا الدرة من طرف عائلتها التي غادرت البلاد، لتعيش منبوذة  في منزل سليم. تذكرت كلمات حبيبها التي كانت تزيل عنه الهم، وتمنحها الأمل من جديد. أحست بيديه تمران فوق بطنها المنفوخ فتتحسسان ثمرة حبهما البريئة.. بكت كثيرا، فهي لم تتصور أبدا أنه سيفارقها يوما وإلى الأبد، لم تفكر أبدا  أنها ستحرم من الرجل الذي كانت تعشقه بجنون، وسوف تأخذه منها الموت وهو في عمر الزهور... تألمت لأنها بغيابه صارت لا شيء بعد أن طردتها مجددا والدته، لما اعتبرتها نحسا على العائلة ولا مكان لها بينهم في غياب نوارة البيت سليم.

وهي الآن تعيش جوالة بين منازل صديقاتها، تعمل بدوام جزئي في أحد مراكز الاتصال، فترهق نفسها نهارا، لتجد نفسها ليلا منهكة القوى فوق سرير بارد، رفقة صغيرها الذي ما زال يتحرك داخل أحشائها ، ومعها مذياعها القديم الذي كان يذهب النوم عن أجفانها كل ليلة..

كانت تجد سلواها في الاستماع لمشاكل الآخرين وهمومهم، لتنسى بذلك همومها ومعاناتها، أحست وهي تسمع أحد البرامج الاذاعية، أنه  في مكان ما، في هذا الوطن ، هناك دوما أشخاص يعانون مثلها أو أكثر منها. أناس كثر ارتكبوا أخطاء بأنفسهم فدفعت أقدارهم الثمن بعدها..

أرادت أن تفضفض، أن تحكي مشكلتها للآخرين حتى يستفيدوا من هفواتها، فحملت هاتفها وركبت الرقم السهل الذي حفظته للبرنامج الاذاعي. وبعد محاولة واثنتين، فوجئت بالمذيع اللبق يرحب بها: مرحبا بك على أمواج اذاعة البسمة.. عرفينا بنفسك وأخبارك...ابتسمت، لأول مرة ستفتح قلبها بعد وفاة حبيب قلبها: اسمي دُرة، وسأخبركم عن قصة الحب والخطيئة والألم والخسارة، سأقص عليكم حكاية درة .

يـتـبـع

هامش: حكاية درة تنشر أيضا على صفحة المدونة في الفايس بوك، كل الأجزاء تجدونها هــنــا

حـكـايـة دُرَّة - الجزئين الثالث والرابع




قصة واقعية

الجزء الثالث
من كان منكم بلا خطيئة، فليرمها بحجر

سليم، أريد رؤيتك الآن...في أسرع وقت ممكن
كانت كلماتها ترن في مسامعه، نبرتها بدت مختلفة هاته المرة، أنزلت الرعب على قلبه الشاب. لم يعرف أبدا سبب ذلك الاحساس الذي شعر به في صوت درة وهي تحدثه، ولم يعرف كذلك كم من الوقت مضى وهو ينتظرها على أحر من الجمر في مكان لقائهما المعتاد.

أقبلت مسرعة، عيناها ذابلتان كأنهما لم تعرفا النوم منذ أيام، لم تستطع خصلات شعرها الرائع أن تخفي حزن العينين الواضح. سألها عن سبب مكالمتها المقلقة، فما كان منها إلا أن انهارت باكية أمامه:
سليم....أنا حامل
ما...ماذا..؟ كيف...؟
حامل...من يوم عيد الميلاد

صمتا معا، أحس بأن الأرض تدور به، ولم يستطع أن ينطق بعدها بكلمة...شعرت هي بصدمته، تماما مثل احساسها يوم صدمت بالخبر.وبعد دقائق طويلة، استجمع أنفاسه على صوت بكائها الذي لم ينقطع، مسح دمعتها بيديه قائلا : سنتزوج إذن..
ماذا..؟ والدَيَّ...والديك..
سنتزوج مهما كانت الظروف

هو وهي كانا يعلمان بأن زواجهما لن يكون سهلا على والديهما، فرغم المعرفة التامة للجميع بعلاقتهما، إلا أن الزواج في هذا الوقت كان أمرا غير وارد في وسطهما العائلي..لذا، فذكر الموضوع سيكون عصيبا على سليم وهو لم يتم دراسته بعد، وعلى درة التي لن يرغب والداها أبدا بتزويجها بهاته السرعة.

ودعا بعضهما على أمل معرفة الجديد مساء، حضنها بقوة ماسحا دمعتها مجددا: لا تخافي... ان شاء الله خير
توجه سليم بعدها مباشرة لمنزله كي يخبر والديه برغبته بالزواج من درة، ووضعت هي يديها على بطنها، أمام فيلا الدرة، كانت تعلم تماما أن ليلة عصيبة تنتظرها بعد أن يعلم والديها بقرار زواجها من سليم.

_______________________________

 الجزءالرابع
وحدهم الصغار من يدفعون ثمن أخطاء الكبار

بقيت الكلمات الجارحة لوالدي سليم ترن في مسامعه، وهو يتذكر تفاصيل نقاشه الساخن معهما، بعد أن أخبرهما برغبته بالزواج من درة، فكان رفضهما واضحا: لم يتقبلا أبدا أن يتزوج ابنهما في هاته السن، وهو لم يتـم بعد دراسته ولا يستطيع حتى أن يتكفل بكل مستلزماته اليومية.
ولم يستسيغا أبدا  أن يربط مصيره بدرة، الزوجة التي اختارها ابنهما المفضل، كيف استطاعت تلك الفتاة المتحررة في نظرهما، أن تجبر ابنهما على الزواج منها، وهما اللذان اعتبراها مجرد نزوة عادية وصديقة ممتعة ستنتهي صلاحيتها بانتهاء مراهقة الأبناء.

ووالدي درة أيضا لم يستسيغا الأمر، فقد حلما أن يكون لابنتهما الوحيدة زوج من أغنياء البلد، يسير شركة أو مشروعا ما، رجل يعرف كيف يواجه الزمن بصلابته، وليس مجرد مراهق لا يعرف من الدنيا سوى الحفلات الماجنة ولعب التنس في النادي لجذب اهتمام الفتيات.. بالنسبة لهما، كان سليم مجرد صديق حميم لا أكثر، ولم يتصورا أبدا أن ابنتهما ستكون زوجة له في يوم من الأيام.

ولم يكن في يد العاشقين سليم ودرة، إلا أن يقررا قول الحقيقة لوالديهما، فجمعا الأسرتين معا، وفجرا القنبلة..أخبرا الجميع كيف كانا يعشقان بعضهما،كيف كان شغب سليم يعيد الحياة لقلب درة وكيف كان جمال درة وحنانها يحيي الأمل في روح سليم.
أخبراهم أنهما لم يعتبرا علاقتهما أبدا مجرد نزوة، بل كانا يعيشان روحا في جسدين، يفكران معا ويحلمان معا، وكيف لعب القدر بعواطفهما، فكانت النتيجة جنين برئ لا ذنب له سوى أنه ابن سليم ودرة.

تفاجأ الآباء بالأمر، وبدأت مشاداة كلامية بينهم، وسقطت كل أقنعة النفاق التي وضعت منذ سنين طويلة بين العائلتين، فجملت الأسرتين حتى صار أفرادهما أقرب من العائلة.
واستسلمت أسرة سليم في نهاية المطاف خوفا من الفضيحة، فقبلت على مضض درة عروسا لها. بينما لم تستسغ والدة درة الأمر، وأقسمت أنها لم تنجب في حياتها بنتا، وأكدت أن يوم عقد القران سيكون آخر مرة ترى فيها درة، بعد أن قررت السفر بلا عودة رفقة زوجها خارج الوطن، هربا من العار الذي اعتقدا انه سيلاحقهم.

ووقفت درة وسليم أمام القاضي، ووقعا عقد القران بينهما، ووضعت درة يدها على بطنها، أحست بنبضات ذاك الصغير، الذي يعلم ألا أحد فكر في مصلحته، فبراءته لم تشفع له أمام أجداده وجداته، ولم يجد حنانا في هاته الدنيا إلا من يدينِ تشابكتا أمام ناظريه، لتقسما أنه سيعيش ويحيا رغم كل شيء..


يـتـبـع
هامش: حكاية درة تنشر أيضا على صفحة المدونة في الفايس بوك، كل الأجزاء تجدونها هــنــا

حـكـايـة دُرَّة - الجزئين الأول والثاني



قصة واقعية

الجزء الأول
أخطاؤنا، نصنعها بأيدينا...وأقدارنا هي التي تدفع الثمن

وقفت أمام المرآة تزين نفسها، أحست أن الابتسامة لا تفارقها، فلم تكن تفكر إلا في اللحظة التي سترى فيها حبيب القلب، لتقدم له هدية ميلاده المتواضعة وتمضي برفقته مع الأصدقاء، أمسية رائعة احتفالا بعيد ميلاده ..جمّلتْ نفسها بألوان خفيفة قبل أن تلبس فستانها البني الأنيق، وترش عطرها الباريسي المفضل، ليزيد جمالُها جمالا ويطيب ريحها العذب أكثر.

كانت جميلة رائعة، بملامح شرقية فريدة وروح عصرية أضفت على جمالها روعة.. وحيدة أسرتها الميسورة ومدللة العائلة، سماها جدها " دُرَّة "، فقد كانت الجوهرة التي أفرحت الجميع بقدومها منذ عشرين سنة، فكانت  مطالبها ورغباتها تستجاب دوما من الجميع، ودلالها محبوب من كل الذين يسكنون" فيلا الدرة".

وضعت وشاحها فوق الكتفين العاريين وقبلت جبين والدتها مبتسمة، قبل أن تذكرها بأن السهرة ستكون طويلة الليلة في منزل "سليم"، وبأنها سوف تتأخر، وربما ستعود في ساعات الصبح الأولى معه برفقة باقي الأصدقاء... ابتسمت الأم، حاملة بين يديها احدى المجلات النسائية الشهيرة، وأوصتها بأن تبلغ تحياتها لسليم وأن تقضي أوقاتا طيبة في حفل عيده.

لم يكن سليم بغريب عن عائلة درة، فالكل يعلم أنه صديقها المقرب ظاهريا وحبيبها السري، ولم يستطع أحد أن يرفض هاته العلاقة، ففي عائلات مثل عائلتي درة وسليم، أمر بسيط جدا أن تكون هناك علاقة حب بين الأبناء، مادام الأمر معلنا للجميع ولا يتعدى الخروج الثنائي والسهرات اليومية في نوادي الترفيه التي تزورها عائلات الأعيان، أو حتى السفر في رحلات منظمة بعيدا عن المدينة. لذا فقد كان تواجد درة في منزل سليم، أو العكس، بل حتى تأخر أحدهما عند الآخر، أمرا طبيعيا، لا يسبب أي مشكل أو حرج لوالدي الاثنين.

كانت أول الواصلين للحفلة، وجدته يضع آخر اللمسات على حلوى عيده الكبيرة، استقبلها بقبلة صغيرة حارة قبل أن تزيل الوشاح عن كتفها، ويضع هو قبلة أخرى أكثر حرارة على كتفها الناعم... رآها ملاكا في تلك الليلة، فقد ظهر له منها تميز لم يلمحه سابقا..
ابتسمت بذكاء قبل أن تقدم له الهدية الصغيرة، فتحها ليفاجئ بالساعة الذهبية التي لطالما تمناها. قالت له ضاحكة: حتى لا تنسى أني أحبك في جميع الأوقات...
نظر إليها بشغف، قبل أن تضع هي قبلة طويلة حارة على شفته، قاطعها رنين جرس الباب الذي أعلن قدوم أفواج الضيوف الشباب لحفلة عيد ميلاد سليم الساهرة..

_______________________________

 الجزءالثاني
الحب جميل، يتحدى كل شيء... أما الزواج، فأول الصعاب تستطيع أن تقضي عليه

سنة حلوة يا جميل
سنة حلوة يا جميل
سنة حلوة يا سلييم
سنة حلوة يا جميل
happy birthday to you
happy birthday to Salim
happy birthday to youuuuuuuu
انتهت ترنيمة الميلاد بأصوات الشباب أصدقاء سليم، وبدأت أنغام الموسيقى الصاخبة تجتاح المكان. تصفيق حار وهتاف هنا وهناك، جعل والدي سليم ينصرفان في صمت ليتركا المكان للشباب الصغار من أجل الاحتفال.

ارتسمت الفرحة على وجوه الحاضرين، وهم يمازحون بعضهم. توالت الهمسات والابتسامات بين الجميع احتفالا باليوم السعيد. وعلى أنغام موسيقى سيلين ديون، تفرق الحشد لثنائيات صغيرة وأمسك كل واحد من الحاضرين بيدي صديقته التي ترافقه، لتبدأ الرقصة الرومانسية الهادئة.

 توسط سليم ودرة صفوف الراقصين، كانا نجمي الحفلة بدون استثناء. نظر إليها بعينين مشتاقتين، فابتسمت له، قبل أن تضع رأسها الصغير فوق كتفيه، لتحس بنبضات قلبه المتسارعة تنطق باسمها مع كل حركة.

همس في أذنها الناعمة: أحبك، فضحكت. أخبرها أنه يرغب في الابتعاد معها ولو للحظات عن الصخب، والاستمتاع بسكينة وجودهما معا، فقط هما معا يجمعهما الحب الكبير.
تسللا خفية إلى غرفة نومه، جلسا معا، حاول تقبيلها فراوغته بدلع، قبل أن يلحقها بسرعة. ابتسمت لما أحاط خصرها بيديه الدافئتين، فأحست بجسدها المغروم يذوب رويدا رويدا بين أحضانه.

يـتـبـع

هامش: حكاية درة تنشر أيضا على صفحة المدونة في الفايس بوك، كل الأجزاء تجدونها هــنــا


أنـا وأشرف




قصتي مع أشرف، بدأت منذ حوالي سبع سنوات، أي قبل أربعة أعوام طوال من أول مرة رآني فيها مباشرة. بالنسبة لي، وقبل أن نلتقي، كان أشرف حلما يراودني طوال تلك السنين، كل صباح خلال مسيري للجامعة، فأضحك لما أراه بين أصدقائه، فأتابع  حركاته وسكناته، ويتوقف قلبي مع توقفاته.

و أشرف شاب رشيق جدا، كان الوحيد الذي استقبله والدي بالترحاب والسرور، وابتسم أخي الكبير لحظة لقائه، وبعد ذلك قدماه لي، فخفق قلبي بشدة عند رؤيته، فأخيرا بعد كل سنين الاشتياق، يحصل بيننا أول لقاء.

بعد ذلك، صار أشرف صديق عائلتي الصغيرة، وصارت أمي تسمح لي بالخروج برفقته كل يوم، لتودعنا كل صباح بابتسامة حنونة، وتدعو الله أن ينير طريقنا...كان هو الوحيد الذي تستأمنه والدتي علي، ولا تخشى أبدا من أي شيء، فقط حينما أكون معه..وفي أحيان كثيرة، ترافقنا أيضا في المسير، فنضحك ثلاثتنا ونتكلم مع بعضنا.

مغامراتي مع أشرف، لا تعد ولا تحصى: هو أول من استمع بصبر لبشاعة صوتي، فصمت وتحمل معاناة الاستماع، وأحيانا كان يواسي نفسه ، فيرقص معي على أنغام أغنية ( كان يا مكان) للموسيقار الدكالي.. وهو أيضا أول من استمع لزجلي البدائي، فتحمس وأنصت باهتمام، وانتقد لحظة بلحظة كل كلماتي، لأعيد مع ملاحظاته الارتجال مرة ومرتين ومرات.
ولا أنسى أبدا فضله علي لما علمني رويدا رويدا بعض الأدعية، واستذكرت معه كل السور القرآنية التي تناسيتها مع الماضي من السنين.
وكم تحمل أشرف لحظات غضبي وعصبيتي، فكان يصمت أحيانا، ويعاتبني أحيانا أخرى، وإذا ما بالغت فإنه يعاقبني فيرفض الاستمرار في مرافقتي..

وأتذكر جيدا، كيف وقفنا معا في إحدى المرات، والابتسامة تعلو محيانا، بين يدي رجال الشرطة، وكيف وقعنا مرة أخرى، في أحد حفر شوارع المدينة الحمراء، فكان سقوطنا مضحكا لي ومؤلما له ومحزنا لكل الناس الذين اجتمعوا حولنا..

وحين يمرض أشرف، فإني أفقد نكهة الحياة الجميلة، فأمرض أنا أيضا لمرضه، ليراني الآخرون غاضبة طول الوقت، وكل حديثي عن أشرفي وكيف أستطيع علاجه، لأن ذاكرتي حينها لا تحمل إلا صورته وهو يَـكُـحُّ، أو وهو غير قادر على السير والوقوف، فأحكي هَـمَّ مرضه لكل من يعرفنا، ليساعدني بعدها الكل في تخطي المصيبة التي ألمت بنا.

أشرف جزء من ذكرياتي، وقصة عظيمة في حياتي، أحيانا يكون مصدر آهاتي ومعاناتي، وأحيانا كثيرة يدخل البهجة والسرور في ذاتي..لا أعرف ان كانت علاقتي به ستستمر أكثر، لكني متأكدة، أني لن أنساه ما حييت، فهو سيبقى دوما أول وأفضل دراجة نارية حصلت عليها في حياتي.