شهادة حمراء


يقتحم الجمع خلوتي في صخب، أستغرب من عدد القادمين الذي يريدون رؤيتي.. يحملون فتاة صغيرة تقوقعت في صمت ويضعونها فوق طاولة الفحص.. يخرج الرجلان وتبقى النساء واقفات كحارسات سجن..
تسارعن في التحدث معي بلهجة لم أستوعب منها شيئا. أطالبهن بالسكوت وشرح المطلوب بكل هدوء: "نريد شهادة طبية تثبت أنها عذراء.."
تمنع زوجها من لمسها منذ أسابيع.. هو يحبها كما هي ببكارة أو بدونها.. لكنهم يريدون تحصين شرفهم من ألسن بدأت تلوكهم، والوسيلة شهادة أفتتحها بإقراري وأنهيها بإمضائي وختمي.

اختليت بطفلتي بعد أن طلبت منهم مغادرة الغرفة، بَدَتْ لي بريئة وصغيرة.. جففتُ دموعها ورحنا نتحدث قليلا.. سنها 17 سنة  وتزوجت زواجا تقليديا بابن الجيران، أعجبته ويعجبها ولكنها صارت ترفض أن يلمسها بعد أن عقد قرانهما. صارت تراه وحشا  بعد أن غضب يوما من تمنعها فضربها.. تبكي وتصرخ كلما حاول الاقتراب منها.. هو صار يشك بأن برائتها دنسها رجل قبله، وهي صارت تؤمن بأن سحرا جعلها تكره وتخاف زوجها.
فحصتها على مضض بعد أن حدثتها طويلا. بُحت لها بما وجدت فانتفضت تبكي ثانية وعانقتني صارخة: أخبرتني أنهم جعلوها تشك في نفسها وهي التي لم يمسسها شخص غير زوجها.. خرجت رافعة رأسها امرأةً لا تشبه من دخلت عندي قبل دقائق.. عذراء رغم أنفه وأنفهم..

طلبت مقابلة الزوج لوحده، أخبرته بالنتيجة وطلبت منه تفاصيل ما حدث:
يحب زوجته كثيرا ويحترم أسرتها، لم يعرف أبدا لماذا ترفضه رغم كل محاولاته لاسترضائها.. سافرا معا لقضاء شهر العسل لكنها تتمنع في كل مرة يحاول فيها لمسها.. أسرته تسأله في كل مرة عن علاقتهما، ولا يجد جوابا غير الصمت الذي يطعنه في رجولته ويطعنها في شرفها.. يخاف من فضيحة كبيرة في مدينته الصغيرة وهو الشخص المعروف جدا هناك، ولا يتصور أبدا أن يصير مطلقا بعد أسابيع قليلة من زواجه.. ما يعيشه من ضغط جعله يضربها يوما ولم يستطع بعدها أبدا الاقتراب منها.. أسرتها صارت تزيده شكا بأنها كانت على علاقة بغيره.. وهو ما جعله يستسلم لرغبتهم في فحصها لاثبات عذريتها..
..
...
سمعتُ كلامَه مثلما سمعتُها، وبكى أمامي مثلما بكتْ هي.. ثم غادرا معا في صمت وبقيتُ حائرة..
لم أعرف بينهما من الظالم و المظلوم؟
تلك الدموع التي شاركاها معي لم تكن عادية، وذلك الخوف في عينهما معا لم يكن طبيعيا..
وجدتني أبكي معهما وأسأل نفسي: كيف تستطيع طفلة صغيرة خوض تجربة زواج لم تعرف عنه سوى ما سمعته من حفل زفاف فخم وخلوة عراء حميمية؟ كيف تستطيع مقاومة عنف لفظي وجسدي من زوج يحاول امتلاكها في أيام وهي التي عاشت حرة سنوات طوال؟
كيف يستطيع ذلك الشاب الصبر على زوجة ترفضه وهو الذي يطالب أسرته بالصبر على انتظار أخبار حياته الحميمة مع زوجته؟ من الذي يمنح الحق للآخرين بالتدخل في خصوصيات زوجين  عقدا العزم على العيش معا.. والموت معا؟
من منهما الظالم ومن المظلوم؟
أو هما معا ظلما من مجتمع جعل شرف المرأة ورجولة الرجل مجرد بقعة حمراء يؤكدها إمضاء وتزغرد حولها النساء؟
ــــــــ

مصدر الصورة