حـكـايـة دُرَّة - الجزئين السابع والثامن




قصة واقعية

الجزء السابع
أحيانا، تمسح الكلمات أحزان السنوات

خانتها الكلمات بداية، لكنها أحست أنها تعرف كل القلوب التي تسمعها باهتمام. حكت لهم بكل جرأة على أمواج الاذاعة التي يسمعها الملايين كل يوم وفي نفس الوقت، تكلمت عن معاناتها وعن أخطائها، عن ألمها الذي يتكرر كل يوم وعن سعادتها لأنها تحمل بين أحشائها أروع هدية تذكرها بحبيب قلبها.. أخبرت الناس بأن تتقبل اللوم فهي تعلم أنها مخطئة، وتنتظر النصيحة لأنها لا تريد أن يتحمل طفلها وزر أخطائها.. بكت لما عبرت عن اشتياقها لوالديها اللذان هاجرا ولم يكلفا نفسيهما عناء السؤال عنها...

كان المذيع يستمع باهتمام لكلماتها، ويبدي تأثره كل مرة بما تخبره إياه، مستغربا حينا ومتألما حينا آخر وغاضبا أحيانا كثيرة.. أخبرها بأن الجميع يساندها وبأن رسائل عديدة تصله في الوقت التي تحكي هي فيه حكايتها، لتدعمها وتدعم الطفل الذي لا زالت تحمله في أحشائها.

وبعد أن فضفضت، أقفلت الخط لتواصل الاستماع لكل التعاليق حول حديثها، سمعتهم يتكلمون : كل الأشخاص الذين يلومونها وكل القلوب التي تألمت لألمها.. وكانت نهاية البرنامج، دعوة لها من أجل زيارة مقر الاذاعة لمنحها كل المساعدة التي تحتاج إليها..أحست درة بالحزن الشديد، فهي قد شعرت بأنهم لم يصدقوها، لذا طالبوا برؤيتها. وقررت أن توضح لهم، بأنها لم ترد أبدا الشهرة أو الافتراء، بل فقط احتاجت لقلب رحيم يقاسمها معاناتها...

وجاء ذلك اليوم الذي ألغت فيه التردد بفضح هويتها، قررت أن تزور الاذاعة التي استمعت لحكايتها، وتفاجأ العاملون هناك لما رأوها، فقد توهموا أنه كان مجرد اعتراف يحتمل الحقيقة أو السراب، فقد اعتادوا على مكالمات تخترع حكايات وهكذا ظنوا درة وحكايتها... ابتسم المذيع لما رآها، وابتسم لبطنها المنفوخ الذي أكد صدق قصتها. وتكلمت معه مرة أخرى فعبر لها عن اعجابه بصمودها، وعدم رغبتها في التنازل عن طفلها لأي كان.. وقد أخفى في دواخله كغيره من عمال الاذاعة، انبهارهم الشديد بجمال درة الفاتن وخجلها الشديد.

وقبل أن تغادرهم الضيفة الفاتنة، منحها أحدهم ورقة تضم لائحة طويلة، تحمل عناوينا وأرقاما هاتفية لأشخاص اقترحوا مساعدتها ماديا ومعنويا. ترددت في أخذ الورقة، فهي لم ترغب إلا في فتح قلبها والحديث عن حكايتها، لكن مع إلحاح الجميع، قررت أن تمسك بيدها أرقاما وأسماء، لم تعرف أبدا أن من بينهم من قد يغير حياتها مرة أخرى للأبد...

_______________________________
 الجزء الثامن
عشق الأذن جميل، وعشق العين أجمل

أرقام وأرقام، كلها لأشخاص لا تعرفهم، لكنهم يعرفون قصتها الحقيقية. حملت الورقة بين يديها وبدأت تتأمل الأسماء والأرقام: بعضهم يعرض مساعدات مالية، وآخرون يقترحون أعمالا عليها، والبعض يحاول تبني طفلها الصغير. لكل طريقته التي وجدها مناسبة من أجل مساندتها، لكن هناك رقما واحدا لم يكتب بجانبه شيء. أحست بارتباك وفضول قبل أن تقرر الاتصال بذلك الرقم. احتاجت لشخص يعرفها ليقاسمها شعورها بالوحدة التي ظلت تلازمها رغم كل شيء..

اتصلت بالرقم، فأجابها صوت شاب، عرفته باسمها فرحب بمكالمتها فورا، تكلم معها كأنه شخص يعرفها منذ مدة طويلة...سأل عن أحوالها وأحوال حملها، عن تأقلمها مع العمل والسكن وعن قرب موعد ولادتها..شعرت بالارتياح وهي تكلمه، ولم تحس أبدا بتلك الساعات الطويلة التي قضتها وهي تحكي معه، عنها، عنه، وعن كل شيء..

كان اسمه عاصم، شاب طموح يدير مقاولة صغيرة لأسرته، استمع باهتمام في سيارته لحكايتها على أمواج الاذاعة، فأحس أنه يقاسمها همومها ويشعر بمثل ما تشعر به. فهو قبل سنتين، فقد خطيبته أيضا في حادثة سير مؤلمة لا تنسى. فكان قاسمه المشترك مع درة، الألم والشعور بالخسارة والوحدة.

تكلما كثيرا بعد أول حديث، وتعرفا على بعضهما البعض أكثر. كان يقص لها يومياته بكل تفصيل، وتحكي له عن تحركاتها يوما بيوم. طلب رؤيتها فوافقت، فكانت ضيفة على أسرته، التي عرفت قصتها كلها أيضا من خلال الاذاعة.

رآها غاية في الجمال، فانبهر بها ولم يستطع أبدا التظاهر بعدم الاعجاب بها، شعرت بالخجل قليلا من عائلته التي استقبلتها كنجمة ورحبت بها كثيرا. أحست بالدفء والسكينة وهي بينهم، وجدتهم أناسا جد طيبين، لم يسألوا أبدا عن ماضيها ولا عن أخطائها، ولم يلوموها أو يعاتبوها رغم أنهم قد عرفوا تفاصيل حياتها كما روتها هي. عاملوها بدلع وطيبة وقدموا لها هدايا لطفلها الصغير، الذي لم يبق له إلا أسابيع قليلة على الدخول لدنيا الغرائب العجيبة..

يـتـبـع

هامش: حكاية درة تنشر أيضا على صفحة المدونة في الفايس بوك، كل الأجزاء تجدونها هــنــا

قراءة بين سطور حكاية درة، تجدونها على صفحات مدونة الدكتور ويب هـنـا

الجزء الأخير من الحكاية، سينشر ان شاء الله في نفس الوقت على المدونة وفي مجموعة الفايس بوك  يوم الأحد مساء 

6 تعليق على "حـكـايـة دُرَّة - الجزئين السابع والثامن"

  1. عزيز يقول :

    يبدو ان ملامج السعادة بدات تظهر من جديد في القصة
    على اي تمنياتي بما جال في فكري على ان تنحو القصة داك المنحى

    شوقتيني ،
    متابعه عزيزتي

    Dr-Web.Net يقول :

    قمت بالرد على تعليقك في مدونة الدكتور ويب، و ناشدتك بالتعجيل في انهاء قصة درة، لاعود و اجدك وضعت جزئاً اخر من الحكاية.
    لازلت لم اطالعه، اقرأه اولا و لي عودة للتعليق ثم للقراءة بين سطوره باذن الله.

    Dr-Web.Net يقول :

    درة تخرج من حزنها، و ترى وميض الامل في عائلة عاصم .. نموذج للانفتاح و الروح العالية، هي الكلمات التي يمكنني ان اصف بها عائلة عاصم.
    اما عن درة و الاذاعة .. ففي بعض الاحيان لا نعرف كيف يمكن للقدر ان يغير مجرى حياتنا، لكنه كذلك فعل مع درة، في هذين الجزئين احسست ان الانعتاق هو شعار يلوح من بعيد، و اظنها "فُرجت" (ان لم تخيب امالي مراكشية البلوغر).

    اسعدني متابعة القصة، و في انتظار باقي الاجزاء.

    لعبة القدر
    لعبة لا يعرف تفاصيلها غير الله سبحانه و تعالى
    ما بين فرح، حزن، موت و سعادة تجولنا في تفاصيل حياة درة
    تماما كما تقديمك للقصة قبل مدة على الفايسبوك
    سناء
    ساعود، بعد نهاية القصة، لكي أقرأها بشكل مختلف،
    انتضريني

    مازلت متابع.. ومتابع.. للآخر..

    كنت هنا..

إرسال تعليق

مرحبا بكلماتكم الطيبة