سارق البيتزا



بدأت الحكاية عندما قرر المدونون المغاربة على هامش ملتقاهم بمدينة النوارس، القيام بزيارة لجمعية "دارنا" لإيواء الأطفال في وضعية صعبة، من أجل التبرع ببعض الكتب والقصيصات لإغناء مكتبة الأطفال هناك. اقتنينا بعض القصص المصورة وجلنا مدينة الصويرة في اتجاه الجمعية المذكورة. وأثناء مسيرنا، نبهنا المدون خالد التاقي، لوجود قصة مصورة صغيرة عنوانها (سارق البيتزا)، وأكد على ضرورة عدم منحها للأطفال بسبب عنوانها الدال على مضمون لا يدعو للاطمئنان. اعترضنا بداية أنا وطه والآخرون، على رأيه قبل أن نقرر قراءة القصة لنقطع الشك باليقين ونؤكد إن كانت تحوي مبادئ أعظم من عنوان يدعو للسرقة.
وكان الطامة الكبرى بعد قراءتي للقصة المصورة كاملة، وجدت بعض الأفكار التي ترى في بساطتها عادية، لكنها تحمل قيما لا يريد أي واحد منا إيصالها لأطفاله: دعوة للسرقة، دعوة للأكل بشراهة، عدم معاقبة السارق، التحايل على الحقيقة، الكذب، تغطية السرقة بحجج واهية..
بحثت في ذاكرتي عن قصص عديدة كنا نقرؤها في صغرنا، لم نبالي آنذاك بمحتواها بقدر ما اهتممنا بإدخالها البسمة والتشويق على قلوبنا البريئة. حكايات كانت تعلمنا بسلاسة قواعد الكذب والمكر والخداع والكسل والمراوغة والنفاق وغيرها من أمور كنا قديما نغفل عنها، والآن نستسهل عواقبها بعد أن أصبحنا آباءً لصغار نرويهم من نفس النبع الذي سقينا منه.

ابحثوا يا سادة في براءة عقولكم، عن كتب وقصص ألهمتكم وساهمت في تكوين شخصيتكم. كيف زرعت فيكم خرافة أن الخير دوما ينتصر دون أن تنبهكم أن طريقه محفوفة بالمطبات التي قد تقتلنا قبل أن نعيش لحظة انتصاره. كيف علمتكم أن جيري يربح توم دوما لأنه المظلوم، حتى لو كان الذنب الوحيد لذلك القط هو غريزته الحيوانية التي جعلته من اللواحم، فأجبرته على التعرض لمكر ودهاء وضرب وجرح فأر سانده سيناريو الكاتب وبراءة المشاهدين من الأطفال والكبار.
أخطاء كثيرة برسائل مبهمة وصلت إلينا قديما، وتصل الآن لأطفالنا بطرق مختلفة اختلاف الزمن الالكتروني العجيب الذي نعيشه. داخل كل عنوانِ فطرة سليمة جُبِل عليها أبناؤنا، هناك دوما "سارق بيتزا" متخفي، قد يغير فيهم ماشاء نحو طباع تجعلهم يخسرون أنفسهم قبل أن يخسروا الآخرين.

وأعود للقصص التي أردنا منحها للأطفال، فقد بحثنا أيضا بين المجموعة التي كانت بين أيدينا عن عناوين مثيرة للإهتمام، وجدنا واحدة أخرى بعنوان "دونالد الكسول"، كان قد قرأها خالد التاقي، فوجدها أيضا ملغمة بمعاني لم نستسغها. قررنا عدم تقديم هاتين القصتين للأطفال، واحتفظت أنا بسارق البيتزا، كي تذكرني دوما بوجوب الانتباه ألف مرة لكلماتي وأفعالي، التي قد تسيئ عن قصد أو بدونه لمن يهمني أمرهم.
لكن يا ترى، كم قصة أخرى أهملنا مراجعتها وقدمناها أفكارا ملغومة لأجيال الغد؟؟؟!!!
للأسف...

28 تعليق على "سارق البيتزا"

  1. داود يقول :

    حقيقة ... معك حق فالقصص المصورة هي الي تكون عقل الطفل و طريقة تفكيره ... فوجب علينا أن نكون أكثر حذرا لما نقدم لهم مادة أولية لبناء أفكارهم و منها مستقبلهم
    دمت لنا
    سلام

    أحس بهذا الشعور عندما أحاول قطع الطريق بطريقة عشوائية، أتجنب فعلها امام الاطفال‬

    ممممهه سأنتبه اكثر

    شكرا

    داود يقول :

    أزال المؤلف هذا التعليق.

    Nordax يقول :

    هي فقط قصة من ملايين القصص التي قُرأتْ ببراءة ، في طياتها تحمل في طياتها رسائل ملغمة كما تفضلتي بذكره .. ، هذه الرسائل التي غالباً شاركتْ و لو بنسبة ضئيلة في تكوين الوجه السلبي او الوجه الحامل للصفات السلبية في شخصيتنا .. !
    لاننسى كذلكَـ الرسوم المتحركة الحالية، التي تسيطرُ بشكل غير مباشرٍ على عقول أطفالنا و تتحكَّمُ في تصرفاتهم البريئة .. ! أعطي كمثالٍ Yo-Gi-Yu رسوم متحركة حققتْ شعبية عالمية بما فيها الدول العربية، بعدَ تحليلها من خبراء أو دعاتْ إسلاميينْ ، وجدو أنها تمسُّ بِـ الدات الإلهية و تلعبُ على العقل الباطني للأطفال لتمرير الفكرْ الماسوني و تطبيعهم عليه .. ! المهم موضوع شائكْـ و عطا الله مايتقالْ فيهْ .. !
    في الأخير أقول لك ، سلمتْ يمناكِـ آبنتْ مدينتي و في انتظار جديد تدويناتكِـ الرائعة :)

    مررتُ من هنا و استمتعتُ بما كتبتهُ أناملُكِ .. ! :)

    فتحت لغم لا ننتبه له دائما وهو مثير خصوصا عند ادخال بعض الملح الاديلوجي للاسف اصبحت الرسوم المتحركة وسيلة لايصال رسائل تنهش في القيم الاجتماعية والاخلاقية السرقة نموذجا واضيف الشئ الذي تكرر تكرس فعندما نفتح احدى القنوات المتخصصة بالاطفال نقدم للطفل طبق مسموم من الرسائل (من جانب الاباء عادي وهذا خطر) اتمنى ان يفتح نقاش حول القيم التي وجب تقديمها للتنشئه عبر القصص و الرسوم المتحركة تذكر سفاح البوسنة ميلزوفنش قبل انتحاره كان من السجن يكتب قصص للاطفال وكانت تباع الى حد النفاذ اطرح هنا تساؤل هل نحس عندما نقدم اطفالنا لذئاب ادبية

    أذكر حينها أنك فرأت القصة في الطريق حتى تتأكدي.
    عل كل حال هي إلتفاتة من المدونين وإشارة جميلة من الاخ خالد.
    أما ما يقدم فهو كثير جدا، قد تغلق باب ويفتح باب آخر... وأشر شيء يسرب سلوكيات سلبية هي الرسوم المتحركة كما تفضل الاخوة.

    قوس قزح يقول :

    وعلى بابا و الأربعين حرامى ههههه
    والقبيح و الجميله ..وغيرها ..
    انا رأئى مخالف تماماً . لابد أن نجعل الأطفال يقرأون الشر و الخير ..لمااااذااااا ؟؟؟
    لأنهم سوف يخرجون للمجتمع الفاسد الشرير و الجيد ..
    ولو جعلناهم طيبون جداااا ..
    فللأسف لن يقدروا أن يعيشوا ..
    وسوف يستغلهم الاخرون ..
    لابد من أن يقرأو سارق البيتزا ..لان هناك من يسرق البتزا و أكبر من البيتزا بكثير ..هههه
    والله عشنا و شفنا

    تحياتى

    أمال يقول :

    صح قلمك يا سناء
    أثرت نقطة مهمة جدا رغم أننا لا ننتبه إليها مطلقا وزد على ذلك الرسوم المتحركة الموجهة للأطفال اليوم، تقريبا جميعها ذات رسالة فاسدة وتفسد أكثر مما تصلح..
    علينا الانتباه حقا وشكرا لك على التنبيه

    مودتي ;)

    إن هشاشة الفئة التي يستهدفها الكتاب تدعوا للاتخاذ الحيطة والحذر عند اختيار العنوين !
    تدوينة رائعة :)

    بيسان يقول :

    حقيقى مدونة جميلة جدا و الموضوعات أكثر من رائعة .. بالتوفيق الدائم إن شاء الله

    إيمي يقول :

    كثيرة القصص التي علمتنا الكثير من الأشياء الخيالية و طبعتنا أحيانا أخرى على أشياء خاطئة ..
    و الرسوم المتحركة أيضا

    irrbah يقول :

    أزال المؤلف هذا التعليق.

    هذه الأفكار هي نتيجة للأعراف الغربية، وليس لقيمنا نحن..

    كان من الأجدر، الاقتصار على القصص العربية خصوصا قصص عطية الأبراشي، المكتبة الخضراء، ومجلات عربية مثل ماجد وباسم والسفينة.. أما قصص والت ديزني، فلا أحبذها

    كنت هنا..

    عين الصواب ما قعلتم ، جيزتم خيرا
    جاري تصفح المكتبة المنزلية لنرى كم عدد الألغام الموجودة هناك

    وضوع اختي في قمة الاهمية لاننا حينما كنا اطفال كنا

    نستقبل كل شيء ببراءة في حين ان ما وراء ما نستقبل

    الغاما تحمل افكارا ما تحمله من اخطار لا يعلمها الا الله

    جابر يقول :

    موضوع مهم هذا الذي تم تناوله، فالمعلومة كما نعلم أبدا ما كانت بريئة وكم من سم دس في الدسم ونحن لا ندري، جميل ما فعلتم وجميل أن يكون الإنسان محللا مفكرا لا مستهلكا وفيا يهضم كل شيء دون مضغ، وفقكم الله وشكرا

    إسماعيل يقول :

    أشكركم جميعا على الخطوة التي بادرتم بها من أجل التعرف على الموجود بداخل القصة، وأشكرك أكثر للتدوينة التي لاشك نبهتنا جميعا لنقوم بنفس الشيء في المستقبل..

    لكن دعيني أتساءل ماذا لو اشتريتها لابني، ثم وجدت هذه السموم، هل أمزقها، أم أرميها... أم ربما هناك طريقة أخرى نعلمه بها أيضا..
    ربما بأن نقرأها له نحن، ونحاول أن نستخلص منه ما هو الصواب وما هو الخطأ...
    "في الأخير يا بني ، ها قد عرفت أن سارق البيتزا شخص لا نتشرف بمعرفته، ولا بالمحافظة على قصته.."

    ايوب يقول :

    لا طالما كانت صور القصص وقودا خصبا في تكوين خيال الاطفال شكرا مغربية

    يوسف يقول :

    ما لفت نظري هو أن القصيتين لهما صلة قرابة. فدونالد الكسول وسارق البيتزا (بيكسرو) يمثلان في نفس الرسوم المتحركة التي كانت تنتجها شركة ديزني، اللي مات ليها الحوت حاليًا. :)

    ناصر يقول :

    موضوع متميز ورائع فما أحوجنا لمثل هذه المواضيع ، بارك الله فيك.

    goulha يقول :

    بدون مجاملات
    تحليل في محله
    وأفكار مهمة
    أفكارك طبعا لا أفكار " المؤلفين "

    في القصص وفي الروايات وفي الاعلام بل وحتى في مناهج التعليم .. كثيراً ما تجد بعض الرسائل المخفية بين الأسطر لتوصيل معلومة قد تكون مخالفة لما تربينا عليه . ومن المستحيل أن نسد كل هذا .. ولكن في المقابل نستطيع أن نعطي أبناءنا الرسائل الايجابية والصالحة من خلال التربية حتى يستطيع هو أن يحكم من خلال ما تعلمه منا على ما يصلح وما لا يصلح.

    نحن امه مستهدفة وأكثر من يستهدفنا هم أشخاص من بني جلدتنا . فيجب علينا إغلاق الطرق عليهم . ومحاربة الفكرة بالفكرة والقصة بالقصة والدعاية بالدعاية .. هذا رأي . ..

    لك تحياتي ...

    شكرا لك اختي مغربية ..هكذا يكون المبدع فعلا يلتقط إشارات لا تظهر للآخرين....شكرا لتنبيهك فكثيرا ما نشتري قصصا و نهديها دون ان نعرف شيئا عنك مضمونها و هذه القصة نفسها لولا العنوان لما فكرنا جميعا حينها في الموضوع

    جميل ما قٍات لك أختي ذكرتني بقنوات الرسوم المتحركة التي توجه العنف تحت قناع محاربة الشر ، والقصص الغرامية التي يشاهدها أطفالنا دائما على تلك القنوات فترى الطفل يسأل هل تزوجت سندريلا أم ليس بعد و تجد الفتاة الصغيرة تعبث بمساحيق الماكياج تقليدا لرسوم الجاسوسات ، فعلا يا صديقتي اننا في حرب والحرب خدع ونحن نغفل أغلبيتها ، بارك الله لك في قلمك ودمت متألقة

    ا لعاب يقول :



    رائع جدا وجميل الموضوع وهام ومفيد بارك الله فيك بالتوفيق باذن الله …



    رائع جدا وجميل الموضوع وهام ومفيد بارك الله فيك بالتوفيق باذن الله …

    ألعاب يقول :

    مبهج ما وجدت هنا في هذه الواحة ،،،

    إعجابي و تقديري



    رائع و مبهج ما وجدت هنا في هذه الواحة ،،،

    إعجابي و تقديري

إرسال تعليق

مرحبا بكلماتكم الطيبة