ربما لم أعُد أهتم

 

صدقوني أو عالجوني، فأنا لم أعد أهتم..
قال أحدهم يوما ( وأنا لا أتذكر اسمه لأني لم أعد أهتم)، أن الإعلام قد قتل القضية. وأنا كذلك قد صدقت الإعلام وابتعدت شيئا فشيئا عن تلك القضية.
قبل سنين مضت، تحمست جدا حتى النخاع. فكنت أستيقظ  كل صباح على صوتها:
القدس تبكي حزينة
لبست ثياب الحداد
عملوا في الأقصى مجازر
واحرقوا بيوت العباد
وكان علم فلسطين مرسوما على كل صفحاتي، حتى أن أساتذتي أصابهم الغضب من كتاباتي. لكني بعدها اعتزلت كل شيء.. في تلك الأيام التي بدأت فيها أشغل التلفاز على أصوات قتلى الحروب بين فتح وحماس. قُتل عرفات وقُتلت معه القضية، وتعارك الأشقاء بعد أن انقلبوا ضد بعضهم وصاروا فرجة لنا وللأعداء.
فلم أعد أهتم..
لم أهتم للقدس واحتلالها، ولغزة وآهاتها، ومع أني كنت أختلس النظرات كل مرة لأعرف الجديد، وأسرق وريقات من كتابي الأزرق  لأكتب كلمات:
يقولون في غزة
 مات البشرْ
وأطفال الحجارة بالنار
قلوبهم تنفجرْ
يقولون
طوابير الخبز
تبدأ من الفجرْ
وتطولُ
لتطولَ
مئة مترْ
ويأتي الربيع فأتحمس مرة أخرى، فيَهرُب التونسي ويُسجن المصري ويُطارد الليبي.. وأجد أن المشاهد تتكرر وألا شيء قد تغير.. فلا أهتم..
وانقطعت منذ هروب القذافي عن مشاهدة أو قراءة تفاصيل الأخبار، كنت أعرف العناوين التي تقول بأن شيئا يقع، لكني لا أبالي.
أضحك مع نفسي على نفسي التي لا تبالي بشعب يمارس الديكتاتورية على نفسه بعد اعتقاده بطرد الديكتاتور، فمعه عليك الاختيار أن تكون ثوريا أو خائنا. ولا تفكر أبدا في طرد الديكتاتور الذي يسكنك.
منذ حوالي السنة لم أعد أهتم لأني لم أبالي بأن أعرف. كم من أمور قضيناها بتركها، وأنا تركت كل شيء ورائي ( أو ربما اعتقدت ذلك). لا أحسب كل يوم عدد القتلى في سوريا مع المساندة الروسية، ولا أراقب الاجتياح الاخواني للانتخابات المصرية، ولا أشاهد أبدا استمرار الإضرابات اليمنية، أو التقدم المذهل للثورة التونسية. لا أعذب نفسي بمتابعة الانتفاضات الصغيرة في حينا المنبوذ، كما لم أتابع سابقا ما حدث في تازة الجريحة.. فقط أحاول ألا أهتم...
قد أكون أنانية أو أن شيئا آخر يشغل تفكيري، ربما أخطأت هاته المرة تشخيص حالتي، وربما قد يكون ما كتبت دليل على أني فعلا أهتم.. غير أن في داخلي صراع كبير  يحثني حقا على ألا أهتم..
ربما لم أعد أهتم ؟؟

مصدر الصورة

20 تعليق على "ربما لم أعُد أهتم"

  1. على فكرة، لم يفتك شيء، رغم انك تظنين أنك غير مهتمة، إلا انك مهتمة صامتة

    تدوينة زوينة أسناء :(

    الإعلام ميع القضية
    لكنها أبدا لم تكن منسية
    و رغم عدم اهتمامك
    إلا أن كلماتك ساخطة .. ثورية


    رائعة

    احيانا تتساوى عندنا المتناقضات

    فتلتحم الاحاسي عندنا و تتوحّد ..

    تقديري

    منجي / الزمن الجميل

    الاهتمام من عدمه نابع من وعينا وعيننا على الأحداث

    كنت هنا..

    كنت أشاهد القناة المغربية و- خبر الهجوم على غزة قال المقدم : نترك ألان الشأن الفلسطيني وننتقل إلى الصفحة الرياضية :((( العام زين

    مثلك لم أعد أهتم (إذا كان هذا هو عدم الاهتمام حقا)

    goulha يقول :

    هم يريدوننا أن لا نهتم
    وبالفعل نجحوا
    فطبعنا أنفسنا على الضحك تحت وابل الرصاص ومشاهد القتلى ونسينا ما يجري حولنا لما كرر الواقع المرير نفسه علينا
    فلم نعد كما كنا نهتم
    وصرنا كما أريد لنا لا نهتم
    ..........
    كالعادة مميزة في كتاباتك وفي اختيارك لمواضيع كتاباتك

    Nordax يقول :

    ربما تحاولين إقناعَ نفسكِ بأنك لم تعودي مهتمة، لكن تدوينتك الرائعة هاته أكبر دليل على أنك ما زلتِ تهتمينْ، سلمتْ يُمناكِ سناءْ :)

    القضية قضية عقيدة ، يعني موتها يعني موت الدين و هذا مستحيل ، الإهتمام بالشؤون الأخرى قد يتفاوت الإهتمام لكن القدس لا يمكن قتل قضيتها و بقتلها لم يعد لحياتنا معنى و لا هدف

    سيرين يقول :

    تدوينة جميلة ,, عبرت حتى عما يسكنني من أحاسيس وأفكار حيال هذا الموضوع ..
    بالنسبة لي هو ربما عدم اهتمام ، ولكنني أردت سابقاأن أهتم ، ولم أعرف كيف ، اهتممت ومازادني الأمر شيئا ، تحمست ولم يزدني ذلك إلا إحباطا ، أسمع حقائق أو أكاذيب من هنا وهناك ، و ضعت في الوسط لا أنا هنا ولا هناك ..
    فكانت النتيجة التيه التام ..
    كنت هنا ,,

    لا أرى هنا غير اهتمام ينخره اليأس وقساوة الواقع، دوامتك تجرفنا جميعا، كل على طريقته، نحاول أن لا نهتم، لكن الخبر يفتك بنا بعد أن وجد له مكانا في شغاف القلب والذاكرة..

    لك تحية مليئة بالأمل :)

    حنان يقول :

    ما أقوى اهتمامك إذن و ما أشد هذه الحرقة التي بداخلك
    و أنا مثلك هكذا و لا أهتم

    تقديري لك يا ثورية

    قوس قزح يقول :

    أتفق الزعماء العرب أن تقوم اسرائيل و امريكا بحمايتهم من إيران مقابل تخلى العرب عن فلسطين بالكامل - سابيكو جديد .. ولا عزاء للسيدات

    باسم يقول :

    لمسة الحزن بين سطورك هذه المرّة فضحت حبّك لوطننا الأكبر وقضاياه،
    أنما هي ساعات بحساب عقارب التاريخ يا أختاه ولسوف ينجلي ه1ا الغبار كما انجلى غيره، كل دعائنا متوجه هناك، حيث هم موحودن، حيث الذين يكسرون تهمتنا المشينة بأننا قوم لا نعرف كيف ندفع ثمن الطمع في الأفضل.
    موفقة

    Soufians يقول :

    كلنا لا نهتم إن كان ماتصفينه هو عدم الإهتمام

    مهما طال ليل الفساد وظلمة الظلم

    فان فجر التغيير قادم بادن الله

    تقبلي مروري اختي

    السلام عليكم ورحمةالله
    مدونة رائعة
    كلماتها منتقاة بعناية
    اتمنى لك التوفيق

    " كانت هناك مقدمة رائعة في اخدى كتب إبن النفيس يقول فيها: ان الخبر ليس هو الاجابة الحقيقية عن التساؤل وليس هو الناقل الحقيقي للحقيقة ...
    كان هذا قبل خمسمائة عام من الان وكأنه برفضه فكرة نقل الخبر يعطينا خبر صادق عن الاحداث ونقلها اليوم ...
    وهذا ماوجدته لديك "

    يسعدني ان اتعرف على اوراق هذه المدونة
    وسأفتحها " بفهم " كي لاترتطم الابواب بالجدران

    احترامي

    بعد كل ما ذكرت من آلام ستأتي القشة التي تقض ظهر البعير ... ويأتي النصر بإذن الله ..

    مهما حاول الاعلام أن ينسينا قضيتنا .. ومهما حاول حكامنا إلهاؤنا .... سنبقى كلنا بنفس اهتمامك..

    لك تحياتي وتقديري ..

    وروعة مانــثرت .. وجمال طرحك ..

    دائما متميز في الانتقاء
    سلمت على روعه طرحك
    نترقب المزيد من جديدك الرائع
    دمت ودام لنا روعه مواضيعك

    لك خالص احترامي

    مغربية يقول :

    أصدقائي
    كل ما أردت قوله قد كتبته في هاته التدوينة
    أعتذر عن عجزي على التعليق عن كل آرائكم واحدا بواحد
    سلامووو

إرسال تعليق

مرحبا بكلماتكم الطيبة