رسالة إلى باريس

سأل أحد الأصدقاء المقيمين بفرنسا، المدون الجزائري باسم، عن الجزائر وأحوالها وعن إمكانية العودة للاستقرار فيها نهائيا. فكتب باسم رسالة طويلة لصديقه، يخبره فيها عن الحقيقة الجزائرية -من وجهة نظره طبعا- ليكون القرار النهائي للصديق : للوطن، أنا لن أعود إليك..
وعدته أن أكتب لصديقتي المقيمة بفرنسا رسالة أيضا، وكذلك سأفعل الآن:

صديقتي العزيزة،
سألتك يوما إن كنت ترغبين في العودة للاستقرار في المغرب، فأجبتني بسرعة ودونما تفكير، أن أمنك واستقرارك، لن تجديهما إلا في الوطن بين أحبابك وأقربائك. وبأنك تنتظرين فرصتك في مستقبل أفضل حتى يتسنى لك تذوق السعادة في هذا البلد العزيز.
عزيزتي،
إن كنت تفكرين بهاته الطريقة الإيجابية بنظري، فغيرك من أبناء بلدنا قد قرروا الاستقرار نهائيا في بلاد المهجر أو على الأقل أجلوا عودتهم إلى أجل غير مسمى باحثين عن أمان وديموقراطية لم يجدوها في وطنهم الأصلي مغربنا السعيد.
وإن كنت أعارضهم بشدة وأنا التي لم أخطو أبدا خارج موطني ولم أعش غربة الوطن أبدا، ولم أحيا مثلما عاشوا أو أعاني مثلما قاسوا. إلا أني في معارضتي لهم، أقدم الأعذار أيضا.. لكني أؤمن بمبدأ لم يتغير منذ أن فهمت في هاته الحياة معنى الوطن والوطنية، فلسان حالي يقول دوما بأن الوطن كالأم، لا نحبها لأنها أجمل نساء الدنيا، ولكن نعشقها لأنها أمنا وهذا يكفينا. والوطن لن يكون أجمل وأجمل إلا إذا سعى من هجروه للنهوض به أكثر، وحاربوا فيه كل رموز الفساد التي تنخر جماله يوما بعد آخر.
الهروب لم يكن يوما حلا للخروج من المشاكل، وهزيمة منتخبنا الوطني في مبارياته الكروية، يجب أن تعلمنا أن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم، وبأيدينا أن نكون مدافعين عن هذا المغرب ومهاجمين لكل من قد يسيء له وأولهم نحن.
صديقتي،
لا أقول لك هنا بأن المغرب هو أجمل بلدان الدنيا، ولا أنه جنة الله الخالدة على الأرض، أو غيرها من الكلمات التي يقولها البعض أحيانا، وتمنيت في أحيان كثيرة لو أننا زرعناها في قلوبنا وحفظتها ألسنتنا حتى نكون أقل قساوة على هذا الوطن. ولن أقول لك أيضا بأن المغرب أب الدنيا، فأنا وأنت وغيرنا نفهم بأن بلادنا تحتاج للتغيير ولا تغيير يأتي فقط بالكلمات، بل يلزم تكثيف الجهود وتوحيد الصفوف، فقط من أجل المغرب، ودون انتظار مقابل غير الشعور بالانتماء لوطن قدر لنا أن نعيش فيه حياة أسوء من بعض الأوطان حينا وأفضل من البعض حينا آخر.
وأنت يا صديقتي عشت القمع في وطنك، كما عشته في بلاد الغربة، أمنا فرنسا.. وتشاركك فيه العديد من الفتيات اللواتي أجبرن على تغيير مبادئهن، ارضاء لظروف فرضتها عليهن علمانية الفرنسيس.
صديقتي، تعلمين أنه يوما بعد آخر، تسن قوانين جديدة في بلاد المهجر تحد من قيمة المهاجرين وعطائهم، وتسعى لخلق البلبلة بينهم وبين أصحاب الأرض الأصليين. رغم أن هؤلاء الأصحاب قد اختلطت دماؤهم فصاروا يعجزون عن الاحساس بأصلهم ويحاولون التمسك بوطن لم يكن يوما لهم. واخوتنا المغاربة صاروا هناك يحيون غربة وعنصرية الدين والدنيا. فاختلط عندهم الحابل بالنابل وفقدوا هويتهم كما فقدوا قبلها احساسهم بالإنتماء.
عزيزتي،
انتهت كلماتي ولم أستطع أن أوصل لك الهدف من رسالتي، فاضطراب أفكاري جعلني لا أعرف كيف أكتب هاته الحروف. فما أخطه ليس رغبة في عودة كل المهاجرين المغاربة لبلدهم، وهذا أمر مستحيل فبذلك ستقلب موازين العالم ويعج بلدنا بأشخاص قد يصبحون عبئا ثقيلا عليه. ولا أريد أيضا أن يستمر نزيف أبنائنا بين أمواج الأطلسي والأبيض، فبذلك نخسر أجيالا من بناة مستقبل كان بامكاننا أن نعول عليهم. كلما أرتجيه ربما هو أن نكون رحماء على المغرب، ونطلق العنان لروح وطنية تهدينا إلى طريق العودة للوطن إذا آن الأوان، أو تقول لنا واصلوا غربتكم ولا تنسوا بناء صورة وأرض مع غربتكم. فترحموا أنفسكم أيضا من شعور الابتعاد الذي يقتلكم.
الغربة يا عزيزتي هي ما صار يعيشه بعض أبناء وطني في وطني، وهي ما لا أتمنى أن تحسيه أو يحسه غيرك في أي وقت من الأوقات. ومادامت راحتك لن تجديها إلا بين أحضان أهلك ووطنك، فأقول لك مسبقا، مرحبا بعودتك للمغرب.. ففقط بك، وبأمثالك، سيصبح بلدنا أجمل بقاع الدنيا..

16 تعليق على "رسالة إلى باريس"

  1. سأعتبرها لي أيضاً إن سمحتي :))) وطنك وطني
    فهل مرحب بي أيضاً :) قد يكون خلاصكم من الفرنسية على يدي ..يبدو أن أحلم بما أن العمل يفرض أن تعرف الفرنسية وهي ما لا أملك يبدو أني لن أعود أو ربما لا من يدري

    ابدعت يا سناء
    مهما حدث فهذه بلدنا التي حبها يجري مجرى الدم في عروقنا
    تحياتي لك يا مبدعه
    واهلا بعودة الجميع فقافلة التضامن تنتظرهم بميناء طنجه ههههه

    كنت هنا ^^

    الغربة ليست في الإبتعاد عن الوطن ، بل بالإحساس بأنك لست مرحبا بك و لو في وطنك و أصلا الوطنية شيء لا وجود له مادام الشخص يؤمن بالله بذلك هو وطنه

    باسم يقول :

    رسالة إلى صديقة سناء، مع كل الحفظ للمقامات: حين نتعذب ونقهر ونظلم ونعيش تحت الأقدام في بلد غير بلدنا فسنعيش عالمين أننا كنا طماعين إذ طمعهنا في العكس في بلاد الناس، أما حين يحدث ذلك في بلدك فهي الحرقة وهو القهر وهي الرغبة في الانفجار بأي شكل من الأشكال... أدعوك كما دعوت صديقي للبقاء هناك إشفاقا عليك من الانفجار.. أدعوك للبقاء هناك جندية جاهزة مستعدة بالعلم والكفاح وما تتعلمينه هناك من سنن تقبل الآخر واحترامه مهما كان، كوني جندية مستعدة لإنزال مظلي هنا أو أي نوع من النزول.. بدل أن تأتي هنا فلا تجلبي سوى بعض المحارم والأقمشة البراقة.. خذي منهم ما استطعت هناك فلطالما أخذوا منا أيام عزنا وذلهم، وإن لم تسعفك الأيام أن تأتي فابعثي لنا أبناء متعلمين صالحين خيرا من أبنائنا المقلدين لما وراء البحار فلا هم صاروا من هناك ولا عاشوا من هنا.
    باسم

    عندما ينكسر الماء و تظلم الشمس يسطع نور أشخاص مثلك يا سناء ...

    شكرا لأنك امراة لا تترك للظلام مكانا في حياتها

    فخورة أيضا بك

    Elmarnissi Hamza يقول :

    بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز

    وفي انتظار جديدك الأروع والمميز

    لك مني أجمل التحيات

    وكل التوفيق لك يا رب

    سوفت وير يقول :

    الغربة حين تشعر بالتهميش وانت في وطنك و لا تستطيع ان تحرك ساكنا

    goulha يقول :

    والوطن لن يكون أجمل وأجمل إلا إذا سعى من هجروه للنهوض به أكثر، وحاربوا فيه كل رموز الفساد التي تنخر جماله يوما بعد آخر.
    //////////////////////
    أحسنت سناء
    قد يصبح الغريب هناك سفيرا قيما إن أحسن تمثيل بلده .
    ويبقى الوطن هو الوطن لا شيئ يعوضه

    غير معرف يقول :

    أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    شاهيستا يقول :

    المدونه حلوه موووووت اتمنالك التوفيق

    هناك اناس يعيشون الغربة خارج أوطانهم..

    وهناك أناس يعيشون الغربة وهم داخل أوطانهم...

    الوطن ليس اسم فقط .. ولكنه بيت وأمان وراحة وسعادة ..

    موضوع رائع كعادتك أختي العزيزة..

    تقبلي تحياتي ...

    إيمان يقول :

    موضوع جميل .. و الهجرة أحد المشاكل التي تعاني منها بلادنا الحبيبة .. خصوصا عندما يتعلق الامر بهجرة الادمغة ..
    أنا أيضا ضد الهجرة و من وجهة نظري ، الهجرة هروب من الواقع خصوصا بالنسبه لمن يختارون الهجرة نهائيا ..
    أتفهم جايدا أن أوضاع بلادنا سيئه قليلا .. لكن اذا نحن لم نسع إلى تغييرها و التقدم بها نحو الافضل فمن يفعل ذلك ؟!
    كل بلدان العالم تقدمت بفضل شبابها الذين بذلوا مجهوداتهم كاملة للمضي بها إلى الأمام ..
    لذلك على شباب اليوم البقاء فى بلدانهم .. و اختيار المواجهة .. و الانسان يقوم بواجبه و الله يكمل ..

    لا بديل للوطن، مهما ابتعدنا عنه ومهما حاولنا نسيانه إلا أننا لن نستطيع ادعاء أننا نعيش في سكينة بعيدا عن الوطن. الوطن أيضا لا يستطيع أن يعيش بعيدا عنا إن فرطنا فيه وبنينا المهجر !!

    مغربية يقول :

    @@ المهاجر المتمرد
    مثلك يا أخي لم يغادروا بلدهم، مادام ارتباطك بك واضح وبين رغم بعدك الجغرافي عنه

    @@ سفيرة المحبة
    كما يقولون كل سنة
    ici vous êtes chez vous

    @@ صفوان
    ربما الغربة شعور نصنعه لأنفسنا ولا تصنعه أوطاننا

    مغربية يقول :

    @@ باسم
    لقد بلغت رسالتك بكل أمانة
    ان شاء الله يصل المعنى

    @@ لا ليور دولاطلاس
    كل الكلام قلته لك صديقتي الفرنسية :)
    لا مزيد ليقال

    @@ المرنيسي حمزة
    شكرا جزيلا لك

    @@ سوفت وير
    وبعض التعريفات تختلف من شخص لاخر

    مغربية يقول :

    @@ ڭولها
    وخير المهاجرين من سعوا لأفضل تمثيل لوطنهم
    فالوطن يبقى هو الوطن كما قلت

    @@ شاهيستا
    أهلا بك دوما أختي

    @@ بندر الأسمري
    الغربة شعور نفرضه على أنفسنا، ان أردنا خلق المستحيل من وطن لم نقدم له الا القليل
    رائع حضورك الدائم أخي بندر

    @@ ايمان
    جميل تعليقك
    يجب تقديس الواجب نحو الوطن والعمل به
    فكل واحد منا لن يطمح في مغادرة بلده اذا عرف فيه ما له وما عليه

    @@ علاء الدين
    لا بديل عن الوطن
    هذا هو خلاصة الموضوع كله

إرسال تعليق

مرحبا بكلماتكم الطيبة