المعذبون










من مذكرات العام الماضي


أغسطس/ آب 2010










كان قسم المستعجلات فارغا بعد الظهيرة إلا من بعض الحالات العرضية. جلست رفقة زملائي نتجاذب أطراف الحديث، نتكلم عن ذكريات خلت، وعن أحداث مضحكة، و أحلام منتظرة . لوهلة قصيرة شرد ذهني، وسرح بالي يتذكر أفواجا من الناس. تلك الأفواج التي تلتقي بها عيناي كل صباح عندما أذهب إلى المستشفى، أناس في أعينهم البؤس وفي ملامحهم حزن دفين تخفيه ابتسامة من أجل الحياة. فتيات وفتيان يستيقظون في الفجر للعمل في الحقول، للبحث عن قوت قد يأتي أو لا يأتي. شباب في عمر الزهور… ظروف قاسية.. وعـــود… أحلام …


وسط هذه المتاهة من الكلمات أيقظني من سرحاني صوت أحد الزملاء قال: " اليوم قد نخرج باكرا إذا بقي الحال على ما هو عليه الآن "


 فردت إحدى الزميلات قائلة: ربما يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة ، لذا تريثوا قليلا ".


 وبالفعل كانت العاصفة، انفتح الباب لتدخل أفواج من رجال الوقاية المدنية، كل اثنين يقومان بدفع شخص ما إن يضعاه حتى يأتيان بالتالي، وهكذا حتى بلغ العدد 10 ما بين شاب وشابة. كانوا كلهم شبابا في عمر الزهور أعمارهم تتراوح بين20 و 26 سنة. لكن هيأتهم وتقاسيم وجوههم كانت توحي لي كأنهم عجائز في الستين أو السبعين من أعمارهم. إنهم عمال الحقول، انقلبت بهم شاحنة النقل في طريق عودتهم إلى ديارهم. الديار التي ربما يصلونها أحياء أو يعودون في كفن لا قدر الله.


 كانت جل إصاباتهم في الرأس، مع كسور بليغة في الأطراف. رائحة دم تزكم الأنوف, وفي المكان رائحة جلد احترق بفعل الشمس، جلد لم تعرف له مستحضرات التجميل الحديثة أي طريق. وملامح وجه الفتيان تخبئ وسامة ناذرة محاها الزمن القاسي. اضطررنا إلى حلق رؤوسهن ورؤوسهم لأن الإصابات كانت بليغة جدا. قالت لي صديقتي: انظر إلى شعرهن، إن أسنان المشط لم تداعبه منذ زمن طويل، قلت: ربما كان المشط يداعب خصلات شعرها عندما كانت صغيرة، عندما كانت تلعب في البيدر، عندما كانت تلاحق الدجاج، عندما كانت تبلله في الساقية لتتباهى بسواده أمام الفتيات الصغيرات أمثالها. أما الآن فقد ضاع كل شيء …


 فجأة علا في قاعة العلاج صوت أم مفجوعة على ابنتها، وكانت تصرخ قائلة : لعن الله الفقر …أَكُلّ هذا من أجل 40 أو 50 درهما في اليوم ؟؟؟


 نعم ما بين 40 أو50 درهما هو الأجر اليومي لهؤلاء الناس، بدون أي تأمين إجباري أو تغطية صحية، 40 درهما ربما تغطي مصروف اليوم أو لا تغطيه أبدا. هؤلاء من يسعى المنتخبون وراء جهلهم للحصول على أصواتهم، يوزعون الوعود الزائفة،


كالورود في أعياد الميلاد. هؤلاء من تصنع الحكومات آلامهم وتدعي الأرق والسهر على أمور حياتهم. هؤلاء من جعلوا الأمل أفسح مجال للعيش، هؤلاء هم المطرودون من زمن الأحلام …. ولن تنتهي أحزانهم هنا مهما كتبت لأن اللائحة طويلة جدا …..


 بعد إتمام المهمة وإنقاذ ما أمكن إنقاذه من الناس جلست على كرسي خشبي وأنا أقول في نفسي: لقد كانت الاشتراكية تضع


رمزي "المطرقة والمنجل" على عَلَمِها مدعية دفاعها عن الفلاحين والعمال. انتهى زمن الاشتراكية فحَلَّ زمن توزيع الأحلام والوعود الزائفة، وفي كلا الزمنين لم يتحقق شيء لهؤلاء، فمن يدافع عنهم ؟؟؟


 إن الحكومات تصنع آلام الناس، والأحزاب تتاجر بآلام وأحلام الناس، لكن الحقيقة أن لا أحد يدافع عن الناس ...








14 تعليق على "المعذبون"

  1. عزيز يقول :

    بحال هاد الويميات زوينين ههههه
    سنتابع بادن الله

    أمال يقول :

    إن الحكومات تصنع آلام الناس، والأحزاب تتاجر بآلام وأحلام الناس، لكن الحقيقة أن لا أحد يدافع عن الناس ...

    الجملة الاخيرة تلخص كل شيء

    قوس قزح يقول :

    شيء محزن ومؤسف فعلاً . لا عدل فى هذا الزمان .. افرح عندما أرى الحق ينتزع إنتزاعاً من غاصبه .. لكن متى ؟

    simo boura يقول :

    لا حول و لا قوة الا بالله
    التغيير يجب أن يكفل جميع الطبقات و ...

    عشت تقريبا نفس القصة بمستجلات الرباط لكن الفرق الوحيد هو أن هاذو عمال و هاذوك معطلين !
    معطلين خرجوا يطالبون بحقهم في الشغل في دولة لا تحاور الا بالزرواطة .
    في المغرب : تختلف السبل .. و البؤس و العذاب واحد !
    كنت هنا !

    إن الحكومات تصنع آلام الناس، والأحزاب تتاجر بآلام وأحلام الناس، لكن الحقيقة أن لا أحد يدافع عن الناس

    هذا هو تعليقي @_@

    و تلك قصة أخرى من قصص الخبز و الألم في وطن كتب على أبنائه شظف العيش
    لعن الله من يتاجر في دماء الأبرياء


    ودي

    الحكومة تضحك على الشعب

    Oumleila يقول :

    tout le monde est concerné par ce problème , besoin et fatalité , l' état doit favoriser les conditions de l"agriculteur par exemple pour pouvoir payer l'ouvrier plus que 50 dh et bénéficier de la couverture sociale , c'est enchainé , le changement doit toucher le tout .

    كلمات تدمي القلب ... أعرف الكثير منهم و اعرف أحد مشغليهم ... يربح الملايين بينما لا يربحون سوى فتات الفتات ...

    لك الله يا وطني

    السلام عليكم،
    سبب كل ذلك أكل الأغنياء الضعفاء حقوقهم.

    محمد ملوك يقول :

    بمناسبة عيد الفطر المبارك
    اتقدم إليكم بأسمى آيات التهاني والتبريكات والأمنيات السعيدة
    أعاده الله علينا وعليكم وعلى الأمة الإسلامية بالخير و اليمن و البركة
    وكل عام وانتم بالف خير

    إسماعيل يقول :

    هؤلاء الشبان العشرة مجرد نموذج مبسط لأغلبية ساحقة ، من العمال غير الرسميين ..

    هل للحكومة الحق في التحدث عن الديموقراطية ، في زمن لا يزال فيه نصف المجتمع يخاطر بحياته في سبيل لقمة العيش ؟

    دمتِ بخير .

    لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم مقال رائع ومدونة جميلة شكرا لك ...

إرسال تعليق

مرحبا بكلماتكم الطيبة